في مقالنا هذا سنوجه رسالة واضحة وجلية إلى جماعة الحوثي (أنصار الله) مفادها: أن اتركوا الشعب يقول كلمته ويخرجكم من المأزق السياسي الذي أنتم فيه اليوم، والتي تسمى بسلطة الأمر الواقع، فاليوم بيدها مقاليد كل شيء في الدولة اليمنية – الغائب الأكبر خلال هذه المرحلة -، فعلى مدار أكثر من عام واليمن يراوح مكانه، والجماعة لم تغير أو تبدل أي شيء في سلوكها السياسي الذي لا يقبل بالأخر أيا كان ذلك الأخر، فيما عدا قبولها بالتحالف مع الرئيس الأسبق/ علي عبد الله صالح في مواجهة العدوان السعودي الغاشم المستمر لأكثر من 6 أشهر على التوالي، وهو أمر نتفهمه ويتفهمه الجميع، على اعتبار أن علي عبد الله صالح ما يزال يمثل رقماً صعباً في المعادلة السياسية اليمنية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وهو ما أثبتته الأحداث على مدار أكثر من 6 اشهر من عدوان آل سعود على اليمن.
فالمؤشرات الميدانية والسياسية تؤكد وبما لا يدع مجالا للشك أن من يدير خطوط مقاومة ومحاربة العدوان السعودي هو علي عبد الله صالح ونجله/ أحمد علي وهو واقع الحال، وما لا يستطيع انكاره حتى الحوثيون أنفسهم، لكن من يتولى أمور البلاد في الداخل هم الجماعة بقيادة ما يسمى: باللجنة الثورية التي لم تقدم أي حلول للأزمات والاشكاليات المعيشية التي يعانيها أبناء الشعب اليمني اليوم، في حالة من الارتياح لهذا الوضع كونه يخدم استمرار الجماعة في قيادة البلد وحصد المغانم المالية والعسكرية، متناسين أنهم جاءوا كما قالوا للقضاء على الفساد، الذي استشرى خلال وجودهم كسلطة امر واقع بشكل لافت للنظر.
وفي كل الأحوال فما يقوم به الطرفان – المؤتمر والجماعة – من دفاع عن الأراضي اليمنية ضد هذا العدوان أمر محمود لهما على حد سواء، بغض النظر عما قد يقوله البعض من وجود جبهات قتال بين قوات الجيش واللجان الشعبية الحوثية وأنصار الإخوان المسلمين من حزب الإصلاح في مدينة تعز على وجه التحديد، إلا أن ما يحمد للطرفين كما سبق وأن ذكرنا أنهما يذودان عن حياض هذا الوطن، وما دون ذلك يمكن الأخذ والرد فيه.
لكن ما لم نفهمه أو يعتقد الحوثيون أن الشعب لم يفهمه هو ما يدور من أمور ومن استمرارية لحالة الفراغ الدستوري والسياسي الذي تعيشه اليمن اليوم، واستمراء الجماعة لهذا الأمر وهذا الوضع هو ما دفعنا إلى كتابة هذا المقال، فالأمر ليس غُنماً أو تباهياً بالوصول إلى السلطة بقدر ما هو مسئولية وطنية على جماعة الحوثي إدراكها واستيعاب أنهم محاسبون أمام الله اولا وأمام هذا الشعب الذي استحمل كل الظروف القاسية والمعاناة التي عاشها ويعيشها منذ فرار هادي إلى الرياض ومطالبته بما أسمي بعاصفة الحزم، التي لم تستطع في حقيقة الأمر حزم أي شيء سوى أمتعة هادي وخونته المتواجدين في الرياض، نقول أن ما لم تستوعبه الجماعة هو أن ما يراهن عليه هادي وآل سعود هو الشرعية المكذوب بها على العالم أجمع، وهو ما منح هادي حق التحدث باسم اليمن يوم الأربعاء 31 سبتمبر الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فالرجل في نظر العالم الخارجي هو الرئيس الشرعي بغض النظر عما يقال لدينا في الداخل اليمني، فلم تستوعب الجماعة أن عملية ملء الفراغ الدستوري الذي يراهن عليه هادي وآل سعود هو السبيل الوحيد لإخراج البلد من حالة الانسداد السياسي، وبدء العمل على عرض القضية اليمنية للأخرين إقليميا ودوليا، وهو ما لن يتم بدون وجود كيان أو حكومة ولنسميها (حكومة انقاذ وطني) لتكون الممثل الشرعي للشعب اليمني والمتحدث باسم هذا الشعب في المحافل الإقليمية والدولية على حدٍ سواء، وهو ما دعت إليه حركة (أنا الشعب) منذ أكثر من 5 أشهر بضرورة عقد مؤتمر للإنقاذ الوطني يضم جميع الوان الطيف السياسي اليمني في الداخل، من مهامه تسمية واختيار هذه الحكومة، والخروج من هذا المأزق الدستوري والسياسي الذي طال الحديث عنه لأكثر من عام.
من هنا فعلى جماعة الحوثي (أنصار الله) استيعاب أن الأمر لن يتم إلا من خلال ايجاد حكومة تكتسب شرعيتها من الشعب باعتباره مالك السلطات ومصدرها الرئيس، وهو ما سيخرج الجماعة – على وجه التحديد – من الحرج الذي هي فيه أمام مواطني الشعب اليمني، وأمام الخارج، على اعتبار أنه ينظر إلى الجماعة بأنها جماعة انقلابية وليست شرعية، وهو ما لم تعيه قيادات الجماعة، متغافلين عن أمر مهم هو أن العالم الخارجي لا يتفهم ما تقوله قيادات الجماعة: بأنها قامت بثورة ضد هادي وما شابه ذلك من حديث لا يفهمه إلا أفراد وقيادات الجماعة وحدهم.
كما أن الأمر يتطلب بعد نظر سياسي والعمل باحترافية سياسية في مثل هذه المواقف، فلا يفيد الجماعة من ارسلتهم من قياداتها للخارج لعرض الوضع في اليمن، كونهم ينظرون إليها على أنها جماعة انقلابية ومليشيات غير شرعية، وهو ما حاولنا افهامهم مرارا وتكرارا.
إن الأمر لا يتطلب التصلب في المواقف والعناد السياسي والمكايدات التي لا تزيد الأمر إلا سوءا، على اعتبار أن الشعب قد تحمل الكثير والكثير، وما يمر به من أزمة خانقة تتمثل في انعدام المشتقات النفطية والغاز والكهرباء والماء والدواء، جميعها مبررات للشعب للخروج ضد التصرفات غير المسئولة – في اعتقادنا – من قبل جماعة الحوثي باعتبارهم يمثلون سلطة الأمر الواقع، ولا يستمرؤون الوضع، كون ما ارتكبه آل سعود من عدوان على اليمن قد خدم الجماعة بشكل كبير، كون الحديث عن أوجه قصور وانتقادات توجه للجماعة يتم الآن ارجاعه إلى أن العدوان السعودي هو السبب وليست الجماعة، وهو أمر لن يدوم طويلا.
ونحن إذ نؤكد على أهمية وعظم الدور الوطني الذي تلعبه الجماعة وعناصرها ومناصريها في اللجان الشعبية في الدفاع عن الوطن إلى جوار قوات الجيش اليمني البواسل، نحذر في الوقت نفسه من مغبة ما سيعقب انتهاء العدوان السعودي على اليمن – الذي بات وشيكاً – وفق ما تحققه قواتنا المسلحة واللجان الشعبية وأبناء قبائل مارب من انتصارات وتوغل في العمق السعودي، الذي من شأنه الضغط على آل سعود للتوقف عما بدأوه والجلوس على طاولة المفاوضات والحوار السياسي الذي أكده الفاعلون الدوليون – الولايان المتحدة، وروسيا) وهو ما طالب به على استحياء الأمين العام للأممم المتحدة/بان كيمون، وعلى الرغم من هشاشة الدور الأممي وغضه للطرف عما يحدث في اليمن إلا أن الأمور تتحلحل شيئا فشيء، وهو ما أثبتته الأزمات والحروب في العصر الحديث، فليس هناك من منتصر أو مهزوم عسكريا، بقدر ما هنالك مجال للحلول السياسية، وهو ما تجلى فيما تلعبه مسقط اليوم من وسيط وراع للحوار والتفاوض بين اليمن ومملكة آل سعود.
أستاذ العلوم السياسية – جامعة صنعاء