صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

زلازل

نحن العراقيون، مثل بقية بني البشر، قد يصيبنا الاحباط واليأس من الوصول الى حل فنمر بفترات سبات، حتى لتحسبنا قد تلاشينا

نحن العراقيون، مثل بقية بني البشر، قد يصيبنا الاحباط واليأس من الوصول الى حل فنمر بفترات سبات، حتى لتحسبنا قد تلاشينا. ثم يأتي زلزال نستفيق معه لنستعيد هويتنا التي عرفنا بها.

 

كنا نوصم عبر التاريخ بأننا قوم لا يلجم شراستنا غير حاكم يجلس على جماجمنا، مثل الحجاج الذي رأى رؤوسا حان قطافها فقطفها. وجاءنا مثل هذا الحاكم الذي أدخلنا نفق الرعب زمنا غير قصير فبدا للناظر من الخارج كما لو ان سباتنا سيطول دهرا. ثم استفقنا على زلزال (غزوة) الكويت الخائبة لنصنع انتفاضة آذار التي زلزلت الحاكم فقمعها بالدم والنار ليعيد إدخالنا في فترة سبات أخرى.

 

من المؤكد ان الأميركيين، قبل احتلالهم للعراق، درسوا هذه الخصلة فينا فوجدوا ان دواءها الأفضل هو طمس الهوية التي عرفنا بها وتضييع معالم الطريق أمامنا كي لا نراها. وكانت أولى خطوات طمس معالم الطريق هي خلط جدول الأولويات بتقديم الهويات الفرعية على الهوية المشتركة بكل ما صاحب ذلك من تجييش للنزعات الطائفية والقومية والعشائرية حتى انتهت الى مذابح على الهوية.

 

لكننا استفقنا على زلزال داعش الذي أطاح بالأرض ومن عليها وما عليها، وحتى ما في باطنها، فلقد بيع النفط وهو ما زال في باطن الأرض لعقود قادمة لا نعرف حتى اليوم مداها.

 

ما الذي كشفه لنا زلزال داعش؟

كان أول ما انكشف هو هشاشة نظام المحاصصة الذي عجز على مدار سنوات عن رصد آلاف الدواعش الذين تسللوا الى الموصل وأطرافها، ثم دخلوها في مشهد استعراضي ببضع مئات من السيارات، فأطاحوا في ساعات بجيش اتضح فيما بعد انه منخور بفساد قادته، سواء أكانوا في الموقع نفسه أم في المركز.

 

كشف هذا الزلزال أيضا ان الديمقراطية التي بشر بها فرسانها كانت أكثر خواء من جيش الموصل، بعد ان أصبحت مرتعا للفاسدين والفاشلين وبائعي الوطن ومن فيه. وللديمقراطية ذراعان لا تستقيم بدونهما، وهما الآليات المعتمدة من انتخابات وقوانين تحكمها، والقيم الديمقراطية التي تجري في ظلها تلك الانتخابات. وتقضي قيم الديمقراطية بتوفير مناخ من السلم الأهلي وتصالح المصالح، لا تضاربها، من أجل ان تنتج حكومات تمثل بالفعل ناخبيها. بدون ذلك يتحول صندوق الانتخابات الى لعبة يتقاذفها مراهقو السياسة، ممن لا شأن لهم أصلا بالديمقراطية.

 

وكما ان لكل زلزال هزاته الارتدادية، فاننا سنكون في قابل الأيام، وبعد القضاء على داعش، بازاء هزات ارتدادية عنيفة لا أدري ان كان الطاقم السياسي الحاكم يتحسب لعواقبها منذ الآن ام انه لم يستفق بعد على حقيقة ما جرى؟ منها على سبيل المثال، هل يمكن ان يمر بلا ثمن تشريد أكثر من مليوني عراقي يعيشون في المخيمات وهياكل البيوت والخرائب المهجورة؟ هل تمر الجرائم ضد الأيزديين والمسيحيين والتركمان وعرب الأنبار وصلاح الدين وشباب سبايكر بلا حساب؟

 

وإن كنا قد استفقنا حقا من سباتنا، هل سنقبل بعد اليوم بناهبي المال العام وبائعي أرواح البشر والقابضين من كل من يدفع الثمن؟ هل سنصغي بعد اليوم الى دعوات نصرة المذهب والعشيرة والمنطقة على حساب المواطنة؟

أمامنا طريق ترابي طويل ومتعرج لم يعبده لنا أحد، وعلينا ان نجتازه معا.

 

إقرأ أيضا