صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

ستوكهولم مدينة بين الجسور!

للقادمين من البحر الى العاصمة السويدية ستوكهولم موعد مع متعة استثنائية، تتكفل بها لمسات الطبيعة…

للقادمين من البحر الى العاصمة السويدية ستوكهولم موعد مع متعة استثنائية، تتكفل بها لمسات الطبيعة الاخاذة على امتداد الارخبيل السويدي باتجاه البلطيق ولأكثر من ساعتين. من على متن السفينة تواجهك على الجانبين سلسلة جزر ساحرة قبالة ستوكهولم.. ارخبيل فيه من سحر الطبيعة ما لاعين رأت ولا اذن سمعت، جمال لا يخفي ما بقي من فعل التاريخ وصراعاته وحروبه من آثار، فتلمح هناك ايضا قلاعا، حصونا او ملاجئ.. كجزء من استحقاقات الحروب.

عاصمة السويد مدينة معاصرة بنكهة تاريخية، هكذا ورثها السويديون بشوارعها وساحاتها وقصورها الفاخرة. ابناؤها الودودون ورغم نزعتهم المعروفة تجاه معالم التكنلوجيا المعاصرة ومجتمع المعلوماتية، لكنهم لم يعبثوا كثيرا بذلك الارث التاريخي، حافظوا عليه كي يتذوقوا طعمه حيثما ارادوا. ماضٍ لا ينطوي على نفسه وحاضر لا يتنكر للتاريخ.

القديم والحديث محل اعتزاز وتقدير في ستوكهولم، كل له حضوره ومكانته ومن يهواه، مباني مهيبة وسط المدينة ذات مذاق قروسطي، شيدت بطراز باروكي بنقوش وتماثيل واعمدة شامخة تحظى بمكانتها في عصر الحداثة وما تفرضه من ضوابط في البناء والتصميم.

وكعادة المدن الاسكندنافية هكذا هي ستوكهولم.. شتاء قارص يغفو تحت الصقيع، وصيف أجمل من نسائم الربيع. أكبر مدن اسكندنافيا تشعرك بهيبة تاريخها الممتزج بعنفوان الحاضر ونظرتها الواثقة للمستقبل. تسمّى “فينيسيا الشمال” لأنها بنيت على 14 جزيرة، من هنا يأتي انتشار الجسور بأعداد هائلة في المدينة وبتصاميم هندسية مختلفة، جزر تقطّعها الانهار والبحيرات وتمسك بشتاتها شبكات من الجسور.

كثيرة هي الامور التي تلفت النظر في العاصمة السويدية، الساعات لها حضور مبالغ فيه.. انها تطرّز جميع المباني القديمة بأشكال واساليب مختلفة، مرة تراها في اعلى المبنى واخرى على الجانب ومرة في زاوية ما!

مبنى بلدية المدينة المطل باعتزاز وأبّهة على الميناء، والمطرّز بالأعمدة والتماثيل واحد من الشواهد التاريخية التي يعتز بها السويديون، كيف لا؟! وفي هذا المبنى الذي صممه المعماري الشهير “Ragnar Östbergin” توزّع جوائز نوبل بحضور ملك السويد والعديد من مشاهير العالم. هناك أيضا مبنى البرلمان في وسط العاصمة ستوكهولم بني على جزيرة “هلجياندس”، المياه التي تحيط به تضفي عليه رونقا خاصا.

قصر ستوكهولم الذي صممه “نيقوديموس تيتشينو” عام 1692 هو المقر الرسمي والقصر الملكي لملك السويد من المباني التاريخية المهيبة الشامخة الى جنب العديد من المباني الجميلة وسط المدينة. في ستوكهولم عدد هائل من المسارح وقاعات العرض، وبنايات للمتاحف الفنية، قاعات للموسيقى ودور الاوبّرا، فالمملكة السويدية تعتبر ثالث اكبر مصدّر للموسيقى على مستوى العالم.

للمتحف حضور بارز كعادة معظم الحواضر التاريخية في اوروبا، متحف السويد الوطني، متحف الفن المعاصر، متحف نوبل وغير ذلك من المتاحف التاريخية التي ترصّع المدينة بالفن والابداع والتراث، لكن ما يلفت النظر، هو متحف “سفينة فاسا” تلك السفينة التي تحمل اسم العائلة المالكة في السويد للفترة  1523-1654.

بنيت سفينة فاسا في عامي “1626 – 1628” لحساب الملك “غوستاف أدولفوس” ملك السويد الذي كان يسعى للسيطرة على بحر البلطيق في تلك الفترة. اراد تصميم سفينة حربية ذات شكل ملكي من الخارج بزخارف وتيجان وما شابه ذلك، وفي نفس الوقت معدة بما يلزم من اجل المهام القتالية، ذلك جعله يتدخل شخصيا في تصميم السفينة، ولم تنفع معه نصائح المهندسين بخطأ بعض المطاليب العبثية التي يفرضها الملك، هذا الاخير  اراد للسفينة ان تكون الاقوى في العالم، ولكنه دون ان يشعر كان يضع لها نهايات تراجيدية بامتياز، اكتملت السفينة بعد سنتين من البناء وابحرت في العاشر من آب عام 1628، لكنها غرقت قبالة الموانئ السويدية، وفي عام 1961 جرت عملية انتشال السفينة الغارقة بعد 333 عاما على غرقها! كانت عملية من نوع خاص، مغامرة كبرى في رفع هيكل مترهل من اعماق القاع! لتستقر على الشاطئ بالقرب من مكان غرقها وبني حولها متحف صممم بناءا على حجم السفينة، تقول المادة الفلمية التي توثق بشكل دقيق مراحل اكتشاف السفينة وانتشالها: إن فريق العمل بقي لمدة 17 عاما يرش على السفينة مواد شمعية، فقط من أجل ان تحافظ على تماسكها! في صيف عام 1990 افتتح المتحف، وبعده بمدة قصيرة تحولت تلك المغامرة المحسوبة الى مشروع تجاري يزوره سنويا قرابة المليون سائح، وفي عام 2011 احتفل السويديون بمرور خمسين عاماً على انتشال السفينة فاسا.

في المدينة التي يبلغ سكانها قرابة المليون نسمة ثقافات واعراق مختلفة، لا يراد لذلك التنوع الا ان يتعايش بود وألفة، ويتفاعل مع محيطه بشكل ايجابي، فمدينة المسرحي الكبير “اوغست ستريندبيرغ” لا يستعصي عليها ذلك الرهان، يبقى فقط على الوافدين اليها ان يستثمروا شيئا من تلك الاحضان الدافئة.

 

إقرأ أيضا