لم تكن حادثة غرق السفينة الالمانية Wilhelm Gustloff اشهر الكوارث البحرية في العالم، لا بل هي من الحوادث التي حرصت جهات عديدة بما في ذلك الالمان انفسهم على تجاهلها وطي صفحتها باعتبارها جزءا من حقبة هتلر النازية التي وضعت المانيا تحت تصرف الكبار. لكن تلك الحادثة بلا شك هي الكارثة البحرية الاكبر في العالم من حيث عدد الضحايا في العصور المتأخرة على الاقل.
روسيا التي تسببت بالكارثة ليس من مصلحتها تسليط الاضواء على تلك النكبة، المانيا اعتبرتها جزءا من فاتورة الهزيمة الباهظة جدا، وهكذا لسبب او لآخر بقيت تلك الحادثة بعيدة عما تستحق من اضواء الاعلام.
تعود الكارثة لحقبة الحرب العالمية الثانية ففي ساعة متأخرة من يوم 30 كانون الثاني عام 1945، امر قائد الغواصة الروسية S-13 الضابط “الكسندر مارينيسكو” بإطلاق 3 طوربيدات باتجاه السفينة التي كانت تقل آلاف الاشخاص معظمهم من المدنيين، كانوا متجهين من مدينة “غدانسك” الالمانية آنذاك “ضمت الى بولندا بعد الحرب العالمية الثانية” الى مدينة “كيل” الالمانية في امل الابتعاد عن جحيم الحرب. وبعد عدة دقائق غرقت السفينة بمن فيها واستقر حطامها في قاع البحر على بعد حوالي 30 كيلو مترا عن السواحل البولندية. كانت الطاقة الاستيعابية للسفينة تصل لحوالي 2000 راكبا، ولكنها بتلك الظروف الاستثنائية اقلت 9343 شخصا، نجى منهم 1239 شخصا فقط. من سلم من الضربة قضت عليه قساوة الشتاء والذي تصل فيه درجة الحرارة في مياه البلطيق المتجمدة الى قرابة الثلاثين درجة تحت الصفر.
السفينة التي حملت اسم السياسي الالماني النازي ويلهيلم غوستوف صنّعت في المانيا عام 1937 كي تكون سفينة سياحية لنقل الركاب، دون تصنيف سياحي لركابها بهدف محاربة التفاوت الطبقي، لكنها في ظروف الحرب ضمت للأسطول الالماني وعملت مستشفى، لأجل ذلك تم طلائها باللون الابيض، وفي رحلتها الاخيرة انتهى بها المطاف حطاما في بحر بالبلطيق في الذكرى الخمسين لولادة غوستلوف.
كارثة السفينة ويلهيلم تعرضت لتجاهل متعمّد باعتبارها جزءا من موروث الحرب العالمية الثانية وخصوصا من قبل الالمان انفسهم، ان ضحايا تلك السفينة كانوا ضحية مرتين، الاولى حينما تم استهدافهم وسط البحر، والثانية حينما تم تجاهل قضيتهم تماما الا ما ندر. ومن جملة ذلك النادر الفلم السينمائي “الليل يهبط على غوتنهافن” المنتج في الخمسينات، ومحاولات الروائي الالماني الشهير والحائز على جائزة نوبل عام 1999 غونتر غراس، حينما افرد للحادث رواية كاملة صدرت عام 2002 تحت عنوان “في خطو السرطان”. في تلك الرواية التي سرقت الاضواء سلط غونتر غراس الضوء على الكثير من تفاصيل تلك الحادثة وما احاط بها من ملابسات وكسر طوق الصمت الالماني عن بعض صفحات ذلك الماضي الاسود.
ان كارثة ويلهيلم وان كانت الاكبر لكنها ليست الوحيدة في بحر البلطيق هناك عشرات الحوادث لسفن، غواصات وقطع بحرية مختلفة، يوما بعد آخر منذ سقوط الاتحاد السوفيتي اخذت تفتح تلك الملفات بعد ان سمح بالغوص في اعماق البلطيق بحثا عن الحطام، كلما وجد حطام ما.. فتحت بعض صفحات ذلك الماضي المثير، منها على سبيل حادثة اغراق سفينة المانية اخرى “General von Steuben” على متنها حوالي ثلاثة آلاف شخصا تسبب بإغراقها الضابط الكسندر مارينيسكو نفسه في العاشر من شباط عام 1945 قبل ان يعود الى مرفئه في مدينة توركو الفنلندية، حيث اخضعت السواحل الفنلندية للجيش السوفيتي في تلك الحرب.