تحت قيادة الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” ورئيس الحكومة الإسرائيلية “بنيامين نتانياهو”، تم إعادة افتتاح السفارة الإسرائيلية في العاصمة القاهرة، وذلك بعد مدة طويلة من الهجران، والتي استمرت على مدار أربع سنوات كاملة، نتيجة قيام متظاهرين مصريين بالهجوم عليها، باعتباره رسالة (نهائية) تُوحي بأنه غير مُرحب بتواجدها داخل الديار المصرية، وبأن لا رغبة مصرية بالاسترسال في تطوير أية علاقات مع الكيان الإسرائيلي.
ربما كان مفاجئاً موعد افتتاح السفارة، سيما وأنه جاء في الموعد الذي حددته مُسبقاً الخارجية الإسرائيلية، باعتباره نفس التاريخ السابق، الذي تم فيه الهجوم عليها، في 9 سبتمبر/ أيلول 2011، حيث اعتبرت إسرائيل، أن الحدث يُمثل جواباً مُقنعاً، على رسالة المحتجّين المصريين السابقة، كونه يُوحي بأن إسرائيل لا تنظر إلى الوراء، ولا تأبه لأيّ تهديدات.
ومن ناحيةٍ أخرى، فإن إعادة فتح السفارة، يُعدّ لديها انتصاراً حقيقياً، باعتباره يُمثّل الدرجة المطلوبة، للتغلب على الشكوك التي تكاد لا تغادر أذهانها، والتي طالما أخضعتها لأن تكون أمام امتحانات حقيقية وحساسة أمام نفسها، باتجاه فيما إذا كانت العلاقات حقيقية أم مجرّد خيال؟ ولرفع قيمتها الاعتبارية أمام المجتمع الدولي، على أساس أن الوصول إلى مستوىً مُتقدّم في العلاقات، وخاصة مع مصر، يُعدّ برهاناً أكيداً، على أن مجموع سلوكياتها تسير في الاتجاهات الصحيحة.
عزز ذلك الانتصار، الموافقة المصريّة على بدء الاحتفال بفتح السفارة في ذلك الموعد، والسماح أيضاً بإحداث ضجّة زائدة عن الحدود الاعتيادية أولاً، وبعد أن ساد الشعور لديها، بأن شيئا (عظيما) يحدث الآن، وأن أشياءً فريدة من نوعها ستقوم بترتيبها مصر تباعاً، باتجاه تنمية علاقات استراتيجية دائمة ثانياً.
كان قرأ المشاركون المصريون في تأدية الطقوس الاحتفاليّة، صفحات دبلوماسية مُدعّمة، تدل بوضوح، بأن مصر بصدد إنشاء صناعة علاقات متطورة مع دولة إسرائيل، ولا تُوحي مُطلقاُ بأنها مُنافقة، خاصة وأن مصر ترى في إسرائيل، بأنها تمثّل تذكرة الدخول إلى البازارات الدولية، لكسب امتيازات مخفضة أو بلا أثمان حقيقية، إذ لم تتم الإشارة إلى أن المقتضيات القانونية الدولية، هي من ألزمت الدولتين تبادل السفارات، لكن ركّزت الإشارة، على أن الرغبة المتبادلة في إنشاء المزيد من العلاقات وتعميقها كانت هي الأساس.
كان يُخيل إلينا، أنه ما كان ينبغي إحداث كل هذه الضجّة حول فتح السفارة- برغم الإعلان عن ضآلة حجمها وعن أنها مؤقّتة، وستتمكّن من البثّ من أحد جوانب بيت السفير الإسرائيلي “حاييم كورين” – على الأقل كما حدث عندما قررت مصر إعادة تشغيل سفارتها لدى إسرائيل، بداية العام الجاري، بعد أن أوقفت أعمالها عام 2012، احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي (عامود السحاب) ضد قطاع غزة.
لكن تلك الضجّة تبيّن أنها ضرورية، ليس لدى إسرائيل بمفردها، بل لمصر أيضاً، وذلك بهدف تبرير استعجالهما في إنشاء وتطوير علاقات (فخمة) من شأتها الدفع باتجاه مسايرة التطورات السياسية والأمنية والاقتصادية، التي تجتاح المنطقة في هذه الأثناء، والتي كان لها الأثر الكبير في خلق متطلبات مصيرية تحتاجها الدولتان، وبخاصة في الشأنين السياسي والأمني.
فالدولتان تشتركان في رغبتهما الجامحة في تحقيق علاقات استراتيجية (تعاونية) جادّة ودائمة، وتشتركان أيضاً في كراهية الحركات والتنظيمات المسلحة، والتي تُعتبر لديهما إرهابيّة، وتبدوان حماساً ضخماً، في شأن الاصطفاف جنباً إلى جنب، باتجاه الانقضاض عليها والتخلص منها، بما فيها حركة حماس – برغم قيام محاكم مصرية بنشلها من القائمة الإرهابيّة – باعتبارها من ضمن الجهات المنغّصة سياسياً وأمنيّاً على الدولتين.
نستطيع القول بيقينٍ تام، بأن إسرائيل لا تزال تبدو محظوظة إلى حدود متقدّمة، فبعد مرورها بأيام حالكة، أوشكت خلالها أن تفقد ما نسجته من علاقات متعاونة ومستقرّة، على مدى أكثر من ثلاثة عقود فائتة، بفضل اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية (كامب ديفيد) 1979، في أعقاب ثورة يناير/كانون الثاني 2011، عادت الآن إلى الوضع الطبيعي، الذي تتمكن من خلاله التقاط أنفاسها بسهولة واسترداد عافيتها وعلى نحوٍ أفضل مما كانت عليه، ليس خلال الفترة الماضية وحسب، بل على مدى التاريخ المصري برمّته.
كاتب فلسطيني من خانيونس