ما حظيت به الاسطورة والخرافة في منطقة شمال اوروبا من اهتمام ايجابي مهّد الطريق وساهم بشكل او باخر في إغناء الالوان الادبية المختلفة، وخصوصا ادب الاطفال الذي تمثل الخرافة جذوره الخصبة. ان لأدب الاطفال في تلك الرقعة الجغرافية من سقف العالم مكانة تفوق المرموقة. معظم بلدان المنطقة تتسابق فيما بينها بتقديم ذلك اللون الشيّق من الادب، واذا ما انجبت المانيا الأخوين “غريم” الذين اشتهرا بحكاياتهم الخرافية الاسكندنافية فإن الدنمارك قدّمت “هانز اندرسون” احد ابرز رواد ادب الاطفال في اوروبا وصاحب اعمال “بائعة الكبريت، ملكة الثلج، الحورية الصغيرة”.
للفنلنديين ايضا حظوة في هذا المجال فقد تركت الاديبة الشهيرة عالميا “توفه جانسون” صاحبة سلسلة روايات “موميت” او “وادي الامان” كما معروف باللغة العربية بصمة ابداعية رائعة وحفرت اسمها واسم منتجها المميز في ذاكرة اجيال حرصت على متابعته في الكبر والصغر.
اما لمسة السويد في مجال ادب الطفل فكانت اكثر وضوحا عبر سلسلة من المبدعين من ابرزهم على سبيل المثال الاديبة “سلمى لاغرولوف” صاحبة رائعة “مغامرات نيلز العجيب” والتي حازت إثرها على جائزة نوبل عام 1909 واحدثت نقلة نوعية في علاقة الاطفال بدرس الجغرافيا الذي كان قبلها مملا في السويد.
عام 2015 احتفلت وتحتفل معظم بلدان البلطيق بمنجز آخر لأديبة سويدية في مجال ادب الاطفال، قبل بضعة ايام حضرت وسط العاصمة الفنلندية هلسنكي احتفالية كبيرة تخليدا لسلسلة “بيبي ذات الجورب الطويل” بمناسبة مرور 70 عاما على نشرها حينما قامت الاديبة السويدية “الستريد ليندغرين” بنشرها لأول مرة عام 1945. ويتحدث العمل الشهير عن طفلة صغيرة متمردة على كل شيء، لا تلتزم بقوانين البيت، فوضوية مشاكسة ولكنها طيبة وصاحبة ارادة حقيقية وتحرص كثيرا على مساعدة الاخرين بطرق واساليب جنونية. ان سلسلة ذات الجورب الطويل او غيرها من المنجزات الادبية في مجال ادب الاطفال اصبحت رموزا ثقافية بالنسبة للبلدان التي انجزت فيها وحتى لبقية بلدان المنطقة، وهناك مدن شمالية كثيرة تخلد بشكل او بآخر تلك الرموز والاعمال الثقافية البارزة اما من خلال تشييد نصب لأبطال العمل او للكاتبة نفسها، او حتى اقامة قرى سياحية متكاملة المرافق، مقتبسة من ذلك العمل يقصدها السياح. واود ان اختم هذه الوقفة عن ادب الاطفال في شمال اوروبا بتساؤل ينتابني كثيرا… لماذا تميزت هذه المنطقة الجغرافية بغزارة ونوعية المنتج الادبي على صعيد ادب الاطفال وتحولت الكثير من الاعمال التي انجزت في شمال اوروبا الى منتج ادبي عالمي بامتياز؟! هل الطابع الاجتماعي وطبيعة الحياة ونسقها هو السبب في تقديم اعمال بمواصفات خاصة؟ ام عامل المناخ الخلاب والساحر هو الاساس في ارساء خيال خصب ومثمر؟ ام هناك اسباب اخرى؟