طرشان في زفة الحرب

نحن نعيش أوقاتاً صعبة

نحن نعيش أوقاتاً صعبة. هي الأصعب منذ عام 2003. كلّ شيء مهدّد، مدننا يقترب من أسوارها الأوباش. الذئاب البشرية الملثمة ستبيع نساءنا كسبايا في بازارات اللحم البشري، وسيصورون رؤوسنا المقطوعة وهي موضوعة بين أكفنا ويبثّونها على صفحات التواصل الاجتماعي، أو ربما سيقيمون دوري لـ”كرة الرأس” ويتقاذفون رؤوسنا بأرجلهم، ويقهقهون بعلوّ أصواتهم. واقع مرعب بحقّ، وهو يسيطر على حياتنا بشكل يومي.

 

سأتفق مبدئياً على أن هؤلاء الذين يرتكبون هذه الأفعال الشنيعة خرجوا من “كهوف التاريخ”، وهم بلا عمق اجتماعي. ولن أعلق الأخطاء على شماعة الأنظمة المتخلّفة التي فشلت بتكوين دول عادلة وديمقراطية، رغم أن كل هذه الفجوات، في الأنظمة الفاسدة، ستولّد منظمات تشبه “داعش” على مرّ التاريخ.

 

سأعود إلى الاستغفال الجاري.

تُنفق واشنطن نحو 8 ملايين دولار يومياً على محاربة “داعش” في العراق وسوريا، وهذا المبلغ آخذ بالتصاعد. هي أعلنت ذلك، ما وضعها في دائرة انتقادات كبيرة في الداخل الأميركي، لأنها لما تزل تتعافى من أزمتها الاقتصادية التي عصفت بها عام 2008. والحرب وفق التوقعّات الأميركية قد تستمرّ ثلاثة أعوام، والرئيس الأمريكي طلب إنشاء صندوق “لتدريب العراقيين وتجهيزهم”، وسيتمّ تمويله من الولايات المتحدة ومن العراق.. بالطبع.

 

إنفاق واشنطن حتّى اللحظة واضح. لكن العراق يقول، حسب وزير الخارجية ابراهيم الجعفري، إنه لن يدفع أي مبلغ مقابل ضربات طائرات التحالف اليومية، حسناً، هذا متروك للأشهر القادمة، فالصحافة الأجنبيّة قد تفجّر قنبلة، وينقلب مارد الجعفري، الذي يحمله في القمقم، إينما ذهب، عليه.

لكن ما الذي أنفقه العراق حتّى اللحظة في هذه الحرب؟ كم يبلغ عدد قوّات الحشد الشعبي؟ كم يُنفق عليهم؟ كم سندفع للمستشارين الأميركيين الذين يملأون القواعد العسكرية؟

 

هذه الأسئلة تثير حفيظة السياسيين جميعهم. الـ”كم” بالنسبة لهم تشكيك بالوطنيّة. تعرية للحشد الشعبي، إلا أن المقصود هنا ليس هذه القوات، وإنما السياسيين أنفسهم.

 

بسبب الحرب، يقترب العراق من إعلان حالة التقشّف، وهي بدأت بالفعل في بعض مفاصل الدولة. تسريح العمال بأجر يومي في دوائر دولة، تخفيض مرتبات موظفي الوزارات، إلغاء الإنفاق على المشاريع الخدميّة، كلّ هذه ليست شائعات، فهي على وشك الحدوث. إنها مقدّمات لتخفيف الصدمة فيما بعد.

هو إذاً “اقتصاد الحرب”.

 

هوشيار زيباري، وزير المالية، الوحيد الذي أعلن ذلك صراحة، ولطّف شبهات الفساد في الحرب بوصفها “تبذير”، وقال إن “أكثر من مليار دولار” صرفت على “الميليشيات”. فيما بعد تراجع زيباري، وفقاً للمتحدّث باسم العبادي، عن وصف “الحشد الشعبي” بـ”الميليشيات”، لكنه لم يتراجع عن حجم الإنفاق.

 

إذاً أٌنفق على قوات الحشد الشعبي فقط مليار دولار، لكن ما أوجه الإنفاق الأخرى؟ لا أحد يعلم، هذه من أسرار الدولة، ولا يجب أن تخرج للعلن، ولا يجوز للصحافة النبش فيها، إنها الحرب، وعلى الجميع الصمت، حفاظاً على السرية.

 

لكن، ونحن نمارس الصمت المقدس، لنتذكّر إن مُدناً سقطت بسبب عدم وصول الطعام والماء إلى الجنود، وأيضاً، عدم إمداد قطعات كاملة بالذخيرة حتّى سقطت المدينة تلو الأخرى كأحجار الدومينو، بينما كان المسؤولون عن “القصعة” يقيدون في دفاترهم السميكة مصروفاتها الوهمية.

 

لنتذكّر، أن الدول الديمقراطية، التي تخوض حروباً للدفاع عن أرضها وشعبها، لديها مراكز إعلامية، توضح للشعب حجم القوات على الأرض مقابل قوات العدوّ، والأسلحة المستخدمة، وحجم الانفاق على تلك الحرب.

 

لنتذكر أيضا، أن الدول التي تلجأ الى حالة التقشّف تبيّن أسباب ذلك، ولا تتكئ، كما هو الحال عندنا، على ترديد شعارات غائمة تزيد الوضع الغامض غموضاً. إنها طبول الحرب، ومطلوب منا أن نكون طرشان في زفتها.

 

إقرأ أيضا