صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

ظاهرة الجيوش الالكترونية في العراق.. متى بدأت؟ وهل ستصل للصدام مع قرب الانتخابات؟

  قبل أيام انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر عددا من الناشطين في خلية الكترونية يقرون فيه بانها تابعة لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وان ارتباطهم بصهره النائب عن دولة القانون ياسر المالكي

 

قبل أيام انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر عددا من الناشطين في خلية الكترونية يقرون فيه بانها تابعة لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وان ارتباطهم بصهره النائب عن دولة القانون ياسر المالكي.

 

الفيديو المسرب من داخل الحلقة الضيقة للمالكي أشّر الى حدّ بعيد تنامي الظاهرة التي باتت تعرف بظاهرة الجيوش الالكترونية التابعة للأحزاب والشخصيات السياسية، حيث بلغت حالة التصادم بين تلك الجيوش ذروتها مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدا (الفيس بوك) كونه يشهد تواجدا يوميا للغالبية العظمى من الشعب العراقي.

 

التسريبات التي ظهرت من داخل الاوساط السياسية تؤكد أيضا إنفاق آلاف الدولارات يوميا على تمويل الصفحات المرتبطة بهذه الجيوش، فضلا عن تمويل المنشورات التي تحمل نوعا من التسقيط للخصوم او التمجيد بالجهة التي ترتبط بها صفحة الفيس بوك.

 

الشخصيات الاعلامية والمراقبون للشأن السياسي سجلوا العديد من الملاحظات بهذا الخصوص لاسيما مع تنامي هذه الظاهرة وتصاعد حدة الخطابات التي تتبناها هذه الجيوش.

 

تنامي هذه الظاهرة يعلله الكاتب والصحفي ربيع نادر الى “حالة الصراع السياسي الذي يتخذ اشكالا متعددة ولم يترك مجالا الا ودخل فيه“.

 

ويقول نادر في حديث مع “العالم الجديد“ ان “القوى السياسية المتنفذة وجدت في تصاعد التفاعل مع صفحات التواصل الاجتماعي ضالتها لتجعل من هذه الصفحات منصة لمخاطبة الشارع والسيطرة على المزاج العام“.

 

ويضيف ان “هذه القوى المتنفذة استغلت نفوذها وامكاناتها المالية في انشاء هذا الكم من الصفحات، وأصبحت بمثابة وسيلة اعلام جديدة بالنسبة لها“.

 

ويشدد نادر على ان “(الحقيقة) هي أكبر ضحايا هذه الجيوش، حيث لاحظنا في كل مسألة وقضية هناك فريقين او اكثر يتعاملون مع الموضوع بشكل يمكن اختصاره بين الدفاع المستميت والهجوم القاسي، فيكون المتلقي في حيرة كيف يمكن ان يصل الى حقيقة الموضوع“.

 

ويرجح نادر ان “تتصاعد حدة الحروب بين الجيوش الالكترونية مع اقتراب مرحلة الانتخابات البرلمانية المقبلة“.

 

“العالم الجديد” تمكنت من الوصول الى شاب يدير صفحة “فيس بوك” تابعة لجهة سياسية لم يسمها، مؤكدا على أن إخفاقه في الحصول على فرصة عمل في البلاد دفعه الى قبول هذه المهمة.

 

ويقول الشاب (ر.ع) “انهيت دراستي الجامعية قبل ٧ سنوات، ومنذ ذلك الحين طرقت جميع الابواب للحصول على وظيفة ولم افلح في ذلك..، الوظيفة في العراق مهمة مستحيلة“.

 

ويردف “استمر الحال هكذا حتى عرض علي احد الاصدقاء فكرة الانضمام الى جيش الكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي، وادارة احدى الصفحات التابعة لجهة سياسية معينة“.

 

ويتابع “لم اتردد مطلقا في قبول المهمة، ووافقت بشكل فوري، لان العمل في الفيس بوك امر ليس معقدا، تتصفح الموقع، وتنشر ما يطلبه منك المسؤول المباشر وتحصل على راتب شهري ثابت“.

 

ويشدد على ان “هذه الوظيفة ليست قصيرة المدى لان الحرب الالكترونية بين الاحزاب السياسية ستستمر طويلا حتى تستنفذ اموال العراق بشكل كامل“.

 

وعن مهامه التي يكلف بها يقول “يوميا نتلقى توجيهات بفبركة الاخبار عن الخصوم السياسيين والجهات الشعبية والاعلامية التي تعمل بالضد من ممول الجهة التي نعمل بها“.

 

ويستطرد “أتلقى يوميا كما هائلا من الشتائم التي تعودت كثيرا على سماعها من قبل جمهور الخصوم السياسيين وهو امر تم تبليغي به عندما تلقيت عرض العمل ووافقت حينها لاني بحاجة الى مصدر معيشة ثابت“.

 

من جهته، يؤكد الاعلامي غزوان جاسم أن “ظاهرة الجيوش الالكترونية ليست وليدة اللحظة وكانت الى فترة قريبة عبارة عن مجموعة محبين يتبنون الدفاع عن وجهات نظر من يحبون، وما زادت عن كونها مناوشات بين هواة طبيعية في ظل الديمقراطية وتعدد الاّراء”.

 

ويضيف جاسم في حديث لـ“العالم الجديد“ انه “في نهاية حقبة المالكي الثانية (2014) بدأت تظهر بوادر هذه الجيوش لاسيما بين المالكي وخصومه، وكانت تعتمد على التسقيط في القرارات، ولكنها بقيت محافظة على الحد الأدنى من العقلانية والصراع السياسي الطبيعي“.

 

ويبين “منذ ان تسنم السيد حيدر العبادي السلطة بدأ باستقطاب الصحفيين الذين فشلوا في الميدان الإعلامي والصحافي لتشكيل فريق اعلامي يروج لما يشعر انها إنجازات مع طموح من أولئك الذين فشلوا في الصحافة فابدعوا في ميدان التسقيط“.

 

ويشدد جاسم على ان “من يدخل عالم السوشيال ميديا يجد قيحا كبيرا بسبب هؤلاء الذين تجاوزوا كل حدود اللياقة واخذوا لا يراعون زميلا او صديقا، بل انهم استفادوا من الأموال التي يوفرها لهم رئيس الحكومة للإساءة حتى لزملائهم“.

 

وينوه الى ان “حزب المالكي والمجلس الاعلى الاسلامي والتيار الصدري كل واحد منهم كون نواة لفريق اعلامي، ولكنهم كانوا يعملون للتسويق والاطاحة سياسيا بالخصوم، ولكن مؤخرا نجد حتى تسقيطا اخلاقيا للأسف وهذا دليل على ان هذه الجيوش يقودها إعلاميون فاشلون يطمحون للتقرب من السلطان“.

 

ولا يبتعد الكاتب والمحلل السياسي محمد نعناع عن الرأي السابق بشأن بروز ظاهرة الجيوش الالكترونية التي اكتسبت من وجهة نظره “أهمية قصوى للاحزاب والشخصيات السياسية بعد انتخابات 2010 تحديدا عندما تم لاول مرة استخدامها بشكل محدود من قبل انصار رئيس الوزراء نوري المالكي، إذ كان يدير هذه الصفحات مقربون من المالكي، وهم في نفس الوقت موظفون بالدوائر الرسمية وبعضهم تم تعيينه في وظيفة معينة لاجل خدماته في الجيوش الالكترونية وليس لقدراته المهنية او التخصصية”.

 

ويرصد نعناع في حديثه لـ”العالم الجديد” استفحال الحالة بـ”اقتراب انتخابات عام 2014 حيث أخذت نشاطات الجيوش الالكترونية تتجه نحو تسقيط الخصوم، وأصبح ما تقوله هذه الصفحات اخبارا تتناقلها وسائل الاعلام المؤثرة، وفي هذه المرحلة صار لجميع الاطراف السياسية جيوش الكترونية تتصارع فيما بينها”، لافتا الى أن “أسوأ دور قامت به هذه الجيوش هو التحريض الطائفي، الذي انتج اياما دموية، بالاضافة الى المزايدات في مجال الفساد، الأمر الذي ساعد في إخفاء المتسبب الحقيقي وتشويه النزيه”.

 

وبشأن التكاليف المالية لهذه الجيوش غير المرئية، يقول إن “كل الاطراف التي تؤسس صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تبذل رواتب شهرية أو دفعات حسب النشر، لكن حصة الأسد في الصفحات التي يديرها اتباع المالكي، كونها مدفوعة من ميزانية الدولة الرسمية”.

 

لكن نعناع يؤكد “تراجع قوة الجيش الالكتروني للمالكي بعد خروجه من رئاسة الوزراء، وهذا يدل على ان اموال الدولة كانت تذهب لدعم هذا التوجه”، منوها الى أن “العبادي طلب من رئيس شبكة الاعلام العراقي السابق محمد الشبوط حل المركز الخبري الذي كان يضم الكثير من الموظفين التابعين للجيش الالكتروني للمالكي، حيث صدرت من هؤلاء تصريحات غاضبة ضد العبادي، بينت اشتراكهم بالجيش الالكتروني”.

 

ويضيف الكاتب والمحلل السياسي أن “هناك محاولات لضم كتاب ومحللين لمثل هذه الجيوش الالكترونية، مقابل منحهم مبالغ ثابتة تقدر بمليوني دينار (نحو 1600 دولار)، او اكثر شهريا”، مشيرا الى أن “بعض الصفحات الوهمية للجيوش الالكترونية تدار من داخل مقرات الاحزاب، وبعضها من بيوت المدونين حسب سياسة كل جيش الكتروني”.

 

وحول امكانية معالجة هذه الظاهرة يرى نعناع وهو أكاديمي وإعلامي معروف أن ذلك يتم عبر “تقييد الاموال التي تنفق على الوزارات ومؤسسات الدولة وتحديد مسؤولية كل فرد فيها، ووضع رقابة شديدة على الدور الاعلامي لمكاتب الرئاسات الثلاث والسلطات الأخرى، فضلا عن مهاجمة هذه الصفحات الصفراء بالتعاون مع الجهات الرسمية، مضافا الى تكثيف برامج التوعية حول خطورة الظاهرة باعتبارها مهنة ارتزاق لا اخلاقية، ولا تسهم باي جهد إبداعي محترم، للحد من انتماء شريحة الشباب والمثقفين اليها”.

 

إقرأ أيضا