مضت ثلاثة أشهر على تشكيل المجلس السياسي اﻷعلى، والذي نادينا به كثيرا باعتباره حلا سياسيا وطنيا لسد الفراغ الدستوري الذي خلفه الفارّ هادي منصور، وعلى الرغم من تعويلنا جميعا على هذا المجلس من آمال عريضه في حلحلة الوضع في اليمن والخروج من حالة اﻻنسداد السياسي الذي تعيشه منذ فرار هادي، إﻻ أن حجم التوقعات والتفاؤل كان مفرطا وهو ما عكسته حالة التوهان السياسي الذي يعيشه المجلس السياسي وعدم قدرته على القيام بما عول عليه وما أسند اليه من مهام، وﻻ يقول البعض أننا في حرب و…. وغيرها من المبررات التي سئمنا سماعها كوننا نعيشها فعﻻ وما نقوله هو الهروج من خالة العجز الذي أصابت المجلس منذ انشائه، وهذا العحز يمكن ارجاعه ﻷسباب عديدة من اهمها ما يأتي:
الأول: عدم الثقة بين مكونات المجلس والتي تجسدت في أن كل طرف رئيسي من أطراف المجلس له أجندته السياسية الخاصة التي يريد تنفيذها وﻻ يمكنه التنازل عنها- وإن كان بنسب متفاوته- اﻷمر الذي أسهم في بطئ الحركة والتنفيذ السريع لبعض اﻻجراءات والتدابير التي من شأنها تخفيف معاناة أبناء هذا الشعب المكلوم في مسئوليه.
الثاني: المحاصصة السياسية وتوزيع اﻷدوار بين مكونات المجلس، وهي المعضلة التي لم يستطع سياسيو اليمن الفكاك منها منذ قيام دولة الوحدة الى يومنا هذا، على الرغم من دغدغه مشاعر المواطنين من قبل الرئبس اﻷسبق/ علي عبدالله صالح بقوله في احد خطاباته بمناسبة تشكيل المجلس السياسي:بعدم وجود محاصصة سياسية… وهو كﻻم مستهلك وممجوج. بل وينافي الواقع الذي قام على أساسه المجلس، فالحكاية مجرد توزيع أدوار ﻻ غير.
الثالث: لم يتم اخراج المجلس بالشكل الدستوري والقانوني اﻷنسب، فلو أنهم قاموا بعمل استفتاء على المخرج السياسي الذي يريده الشعب لكان موقف المجلس أقوى مما هو عليه اليوم، فقد ولد معاقا وعاجزا عن عمل أي شيء بشكل سليم وسريع.
الرابع: قدرة المؤتمر الشعبي العام بزعامة/ علي عبدالله صالح على قلب الطاولة على الحوثيين وارغامهم على القبول بهذا المخرج لكي يجدوا ﻷنفسهم دورا سياسيا وتواجدا فعليا في المشهد السياسي اليمني في حال انتهاء العدوان السعودي الغاشم، وذلك تمثل في تجريدهم مما أسموه اللجنة الثورية العليا، واﻻعلان الدستوري الهزيل الذي نافح الحوثيون بهما حتى انقلب اﻷمر عليهم، مسلمين بما اراده صالح وحزبه.
الخامس: ضعف اﻷداء السياسي وقلة الخبرة السياسية للحوثيين. والتي افقدتهم السيطرة على الامور – سياسيا- وهو ما جسدته قراراتهم المتخبطة والهادفة الى تعزيز وجودهم في مفاصل الدولة في مختلف المجاﻻت بأي طريقة كانت- كونهم يعلمون بأنهم لن يستمروا في سيطرتهم تلك- ولو تتبعنا كم القرارات التي اصدرها رئيس اللجنة الثورية العليا – التى حلت بوجود المجلس السياسي اﻷعلى – لوجدنا ذلك التخبط والتلهف على السلطة ماثﻻ فيها، وهو ما افقدهم الكثير من المتعاطفين معهم، بل وخلق لهم عدوات بين أبناء الشعب استشعرها الحوثيون في الوقت الحالي.
السادس: عجز المجلس عن تشكيل حكومة- أيا كان مسماها – وهذا العجز ناتج عن عدم دستورية الحكومة القادمة كون الحكومة تشكل وفقا للدستور النافذ: من الحزب الذي حصل على اﻷغلبية في اﻻنتخابات البرلمانية، وهذا غير موجود فعليا مما وضع المجلس ومن يقف وراءه في حيرة من أمرهم- على الرغم من مساعيهم لتشكيل هذه الحكومة ومحاولة فرض دستوريتها التي قد تمثل وسيلة من وسائل الخروج من عنق الزجاجة، اﻻ أنهم مستوعبين عدم دسنوريتها وهو أحد أسباب تأخير إعﻻن تشكيلها الى اﻵن.
السابع: عدم وجود رؤية سياسية للمجلس قائمة على أفق استراتيجي، مما أوقع البلد والمجلس في ورطة تجدسدت في عجزهم عن تجاوز قرار الفار هادي بنقل البنك المركزي وعدم قدرتهم على ايجاد وتوفير المرتبات لموظفي الدولة – مدنيين وعسكريين- وهو أمر اثبت بما ﻻ يدع مجاﻻ للشك انعدام الرؤية السياسية الثاقبة لتجاوز مثل هذه المواقف.
الثامن: قدرة علي عبد الله صالح على توريط الحوثيين واحداث حالة من اﻻنكشاف السياسي القائم على الضعف في الدور وقلة الخبرة في التعامل مع اﻷزمات والذي تجسد في عجزهم على تجاوز أزمة المرتبات مما دفعهم الى أن يلجأوا إلى أساليب تقليدية وتعبوية دفعت اتباعهم ومناصريهم الى الترويج لحملة دعم البنك المركزي، وفرض التبرعات بالقوة، كما حدث لجميع موظفي الدولة عبر فرض قصد اجباري لصالح دعم البنك المركزي وهو حل هزيل ويؤكد ما ذكرناه سلفا من عدم وجود رؤية استراتيجية للتعامل مع المواقف واﻷحداث.
التاسع: عدم وجود خطة عمل مزمنة للمجلس وخارطة طريق وفق أولويات ومتطلبات المرحلة والبدء في تنفيذها بدﻻ من الدخول في مهاترات سياسية بين ما عرف باللجنة الثورية العليا التي لم تعد موجودة فعليا وبين المجلس السياسي اﻷعلى، وهو ما اوجد خﻻف بين المؤتمر والحوثيين عقب عدم تقبل محمد الحوثي رئيس ما كان يسمى باللحنة الثورية العليا لحل اللجنة واستمراره في تقمص الدور.بل وتصريحه علنا بأن الثورية العليا هي السلطة اﻷعلى والتي تشرف على المجلس السياسي وهو كﻻم لم يتقبله المؤتمر الشعبي العام.
تلك اﻷسباب وغيرها والتي ﻻ مجال لذكرها، جسدت بما ﻻ يدع مجاﻻ للشك حالة العجز التام الذي اصاب المجلس السياسي اﻷعلى وعدم قدرته على تحمل أعباء المرحلة ومشاكلها ومن ثم عدم القدرة على حلحلة اﻷوضاع وايحاد الحلول الناجعة لمشاكل المواطن العادي.
** أما عن تداعيات ذلك العجز فهي كثيرة، إن لم توحد الجهود بين مكونات المجلس السياسي والتماهي وعدم تغليب المصالح الضيقة لتلك المكونات وقياداتها، وتوحيد الجبهة الداخلية فعليا والتجاوز عن الصغائر واﻻلتفات إلى الخطر الداهم الذي يواجه مستقبل هذا الوطن والمتمثل في العدوان السعودي الغاشم ويأتي في مقدمة تلك التداعيات عدد من السيناريوهات التالية:
اﻷول: زيادة اﻷزمة الخانقة التي يعيشها أبناء الشعب، وعجز المجلس وحكومة اﻻنقاذ المزمع تشكيلها على تفادي هذه اﻷزمة مما قد يدفع المواطنين للخروج في ثورة ضد القائمين على اﻷمر ستكون بمثابة ثورة الجياع والتي قد تقضي على كل شيء وتحيل البلد إلى بقايا دولة متهالكة.
الثاني: عند ذلك سيتمكن أعداء اليمن – آل سعود وحلفائهم – من الحصول على مبتغاهم والسيطرة على اﻷوضاع بل وتقسيم اليمن الى يمنات- وهو ما ﻻ نتمناه لبلدنا الحبيب- لكنه أمر وارد إذا لم يستطع المجلس السياسي ومن يقف وراءه من التعامل السليم مع اﻷحداث فهذا أحد السيناريوهات والتداعيات التي ﻻ أحبذها وﻻ ارغبها أنا شخصيا على اﻻطﻻق، وما يحدث في عدن وسقطرة ليس ببعيد، فقد تعرضتا ﻻحتﻻل مباشر بكل ما تعنيه الكلمة.
الثالث: الوصول الى حل سياسي- وهو السيناريو اﻷقرب- لكنه حل قائم على شروط واولويات سيضعها نظام آل سعود، وفي مقدمتها عودة من هم الرياض بمختلف مسمياتهم، وهو ما سيضع المجلس السياسي في وضع ﻻ يحسد عليه، فهو بين نارين: إما اﻻستمرار في الدفاع عن الوطن وهو خيار له تبعاته ومتطلباته، فعدم القدرة على اﻻستمرار في ذلك تمر وارد، فواقع الحال يشير الى عدم قدرة المجلس السياسي على ايجاد مرتبات موظفي الدولة للشهر الثاني على التوالي فما بالك لو استمرت الحرب…كيف سيكون الحال؟ أما اﻷمر اﻷخر فهو الموافقة على ذلك الشرط مما يعني عدم تقبل أبناء الشعب اليمني لذلك فالجميع لهم تأر لدى آل سعود ومرتزقة الرياض، فكيف اذن سيتقبلون عودة من طلب وخطط ونفذ قتل أبناء بلده- بمختلف ادوارهم ومراكزهم- فهم جميعا مشاركون في قتل أبناء وطنهم، وهو ملن يتقبله أحد من أبنء اليمن.
الرابع: تدخل قوات اجنبية – امريكية على سبيل المثال- في اليمن تلبية لمصالحها السياسية والعسكرية واﻻقتصادية المتمثلة في السيطرة على باب المندب، واقامة قواعد عسكرية دائمة في اليمن وغيرها من التداعيات التي قد تحدث في قادم اﻷيام.
من هنا سنجد أن عجز المجلس السياسي عن القيام بدوره كما يجب سيؤدي بما ﻻ يدع مجاﻻ للشك إلى تقليص خياراته في التعامل مع اﻷحداث التي تأتي تباعا، مما يحتم على المجلس ومن يقف وراءه ومكوناته أن يستوعبوا أن عليهم تغليب مصلحة الوطن، ﻻ مصلحة أحزابهم أو جماعاتهم أو مناطقهم وهو ما سيعينهم على اخراج البلد مما هي فيه اليوم وتخفيف معاناتهم.
وحفظ الله اليمن من كل شر ومكروه
استاذ العلوم السياسية – جامعة صنعاء