انتظم في بغداد (اللقاء الروحي بين صناع السلام في العراق) بمبادرة من مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والاعلامية، المؤسسة المدنية المتخصصة بدراسة التنوع وحوار الاديان والتي تصدر عنها مجلة مسارات ومجموعة الدراسات عن الاقليات في العراق وهي أحد المؤسسات التي اسهمت في تأسيس المجلس العراقي لحوار الاديان.
ضم (اللقاء الروحي) فئات متنوعة من رجال دين وعلمانيين، واساتذة كلية العلوم الاسلامية، نساء ورجال، مسلمين ومسيحيين وإيزيديين وبهائيين وكاكائيين ومندائيين وشبك وتركمان الخ.
وقد اطلقت مؤسسة مسارات تسمية (ورشة اللقاء الروحي) على هذا التجمع المتنوع لبيان الرغبة في العمل الجاد حول صناعة السلام وليس مجرد اللقاء لمجرد اللقاء، تضمن اللقاء مشاركة من زعماء دينيين وممثلي المكونات واساتذة كلية العلوم الاسلامية مع مشاركة لنساء يدرسن العلوم الدينية لاول مرة في تجربة جديدة.
افتتح سعد سلوم رئيس مؤسسة مسارات فعاليات اللقاء الروحي بتقديم فكرة عن اللقاء الروحي وأكد على انه “من الواضح تماما، أن الحوار بين ممثلي الأديان والمكونات على صعيد نخبوي لن يستطيع بمفرده حل المشاكل الأساسية، بيد أنه قد يكون الخطوة الأولى في الطريق الصحيح. وان الحوار ليس عملية فكرية ودينية فقط، بل ينبغي كذلك أن يحث الأغلبية الصامتة على البحث عن استراتيجية مشتركة بشأن السبل الكفيلة بتهدئة التوترات وتعزيز التسامح”.
وشدد على “شمول عمليات تبادل الآراء كذلك المؤمنين غير المتحيزين لمعتقداﺗﻬم ومعتنقي الديانات غير التوحيدية وأعضاء الأقليات الدينية”، مشيرا الى أن “أي حوار سيستفيد فائدة كبيرة من آراء النساء اللاتي يتعرضن للتهميش في المناسبات الكبرى التي يجري فيها الحوار بين الأديان أو فيما بين طوائف الدين الواحد ، وهذا يمثل هدف اشراك النساء في اللقاء الروحي، فالنساء من بين الفئات الأكثر معاناة بسبب التعصب الديني”.
خطابات الزعماء الدينيين
قدم بعدها سلوم الكلمات الافتتاحية للقاء الروحي، وكانت الاولى لفضيلة الريش امه ستار جبار الحلو رئيس الطائفة المندائية في العراق والعالم، والذي أكد فيها عدم وجود اختلاف بين الأديان السماوية كونها جميعاً تدعو للسلام والمحبة”.
واشار الحلو الى أن “اللقاء الروحي ينعقد في ظل ظروف بالغة الحساسية في عراقنا الحبيب، وسط نزيف الهجرة، والعمليات الإرهابية التي تستهدف أبناء بلدنا الحبيب”.
ثم جاء دور كلمة البطريك لويس روفائيل الاول ساكو رئيس الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم الذي بارك اللقاء الروحي، واوضح ان “السلامُ ليس مجرّد تحيةٍ نتبادلها وتبادلناها في هذا الصباح المبارك، بل أصبحَ رسالةً ملحّة تتحققُ فينا انطلاقًا من صغائر الأمور، من مشاريعٍ بالكاد أن تُذكر أحيانًا، من خطواتِ طفلٍ صغير ولكنه يصممُ على السير قدمًا. نخطأ أحيانًا عندما نبحثُ عن السلام في المشاريع الكبرى، في الخطوات العملاقة، فالسلامُ يبدأ أولاً من زرع الإرادة الصالحة، من توجيه الهدف الواحد، السلامُ يبدأ من الرغبة به”.
واشار ساكو الى ان “الكنائس المسيحية، في بغداد خاصّةً، تدعو يوميا الى حبّ العراق ولمّ شمله، سواء من خلال مهرجانات تُقام تحت عناوين متأصلة بحبّ الوطن، أو نداءات تطلقها لكلّ من يهمه الأمر ليعيش الجميع في التآخي والمساواة والعدل. فنحن ننشدُ النشيدَ الوطني في كنائسنا دليلٌ على تمسكنا بمواطنتنا الأصيلة”.
اما الكلمة الثالثة فكانت من نصيب ممثل الامير تحسبن بك امير الايزيدية في العراق والعالم الامير برين تحسين، وتناول في كلمته التهديدات التي يتعرض لها اليوم أبناء هذه المكونات مع ضرورة العمل بقوة لإيجاد نهج جديد في العراق والشرق الأوسط لحماية التنوع الذي بات مهدداً اليوم.
الاقليات وتهديد التنوع
بدأت فعاليات الجلسة الاولى حول اوضاع الاقليات العراقية بادارة الاعلامية امنة الذهبي من مؤسسة مسارات، وقدم فيها ممثلوا الاقليات عرضا عن التحديات التي تواجه الاقليات والانتهاكات التي تطال افرادها في البلاد، سواء ما تم على يد داعش باسم الشريعة الاسلامية، او حتى ما يتعرضون له من تمييز اجتماعي يومي في وسط وجنوب العراق وفي اقليم كردستان.
وضمت المداخلات مشاركة كل من الاب ارا بدليان عن اوضاع المسيحيين في العراق، وركزت مداخلة صائب خدر ممثل الايزيديين حول اوضاع الايزيديين بعد كارثة سنجار 2014، اما مداخلة الباحث سعد الشبكي فقد تركزت حول اوضاع الشبك في سهل نينوى وتهجيرهم على يد داعش والانتهاكات التي تعرضوا لها في وسط وجنوب العراق، اما مداخلة عدي اسعد مدير العلاقات الخراجية للطائفة المندائية فقد تركزت حول اوضاع المندائيين والاسباب التي تقف وراء هجرتهم وتهديدهم بالانقراض، اما مداخلة ضياء يعقوب حول اوضاع البهائيين فقد تطرقت الى التشريعات التي تحظر البهائية والموروثة عن نظام البعث، وفصل ضياء يعقوب التحديات التي تواجه الاقلية البهائية التي ينتمي اليها بسبب تجريدهم من هويتهم الدينية وحرمانهم من حقهم في حرية الدين والمعتقد. وشارك رئيس جمعية يارستان رجب عاصي كاكائي في مداخلة لتوضيح المصاعب التي تواجه الكاكائيين في كركوك، واخيرا تطرقت مداخلة نرمين المفتي الى اوضاع التركمان في كركوك بشكل خاص.
موقف الشريعة الاسلامية من التنوع والمواطنة
تناولت الجلسة الثانية موضوع موقف الشريعة الاسلامية من التنوع والمواطنة بمشاركة من اساتذة الحوزة العلمية في النجف الاشرف وكربلاء واستاذة كلية العلوم الاسلامية في جامعة بغداد.
وكانت الجلسة التي ادارها جاسم السدر استاذ العلوم الاسلامية في كلية الشريعة جامعة بغداد مثالا حول اهمية الجدل في كيفية التصدي لخطابات الكراهية الدينية وكيفية توظيف السياسيين لرجال الدين في تعبئة الشارع ضد الآخر المختلف، وبشكل عام كيفية توظيف الديني لخدمة السياسي في المواسم الانتخابية، واستخدم الخطاب التحريضي في حالات المواجهة الطائفية بين نخب سياسية زيفت صراعها على السلطة والثروة بكونه ذا طبيعة طائفية في حين هو لا يتعدى كونه صراعا سياسيا كما ذهب الى ذلك السيد هاشم العوداي في مداخلته.
مأسسة الحوار ودور الزعامات الدينية
كانت هناك رغبة من الاطراف المشاركين في مأسسة الحوار، وتعدد قنواته، وادامته لمواجهة القطيعة وسوء الفهم المتأصل، وذلك رهن بنجاح الحوار في هذا القاء الروحي وغيره من الاماكن واللقاءات، وكانت هناك اشادة بالدور الذي يلعبه بعض رجال ابدين من صناع السلام في العراق مثل السيد السيستاني في النجف الأشرف التي عرف بمواقفه المعتدلة وتأكيده على القيم الوطنية الجامعة فضلا عن نشاط البطريرك “لويس ساكو” الذي تم انتخابه بطريركا على الكنيسة الكلدانية في شباط 2013.
وكانت الجلسة بمشاركة اساتذة الحوزة الافاضل من حوزة النجف كل من السيد هاشم العوداي والسيد محمد الخلخالي والسيد زيد بحر العلوم والسيد علي الخوئي والسيد احسان الحكيم والسيد حسين الخرسان، ومن حوزة كربلاء كل من الشيخ مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للاعلام والشيخ رافد مذكور عباس والشيخ محمد الصافي والشيخ احسان كريم ساجت الحكيمي والباحث محمد معاش. فضلا عن اساتذة كلية العلوم الاسلامية جامعة بغداد : كل من حاتم كريم الجبوري ووبهاء ياس عيسى وغيلان قحطان واخرون.
ورشة لصياغة توصيات وبيان ختامي
اما الجلسة الختامية فقد خصصت لصياغة البيان الختامي والتي ادارها الباحث في الانثربولوجيا الدينية احمد المبرقع، وقد تم تقسيم رجال الدين الى مجموعات عمل خصصت كل مجموعة لمناقشة محور للخروج بتوصيات مشتركة ترفع للرئاسات الثلاث في العراق والى المؤسسة الدينية بشقيها السني والشيعي والقيادات الدينية لكافة المكونات، وجاء في البيان الختامي ما يلي:
“انطلاقاً من إيمان صناع السلام من رجال الدين في العراق بالمبادىء السامية التي جاءت بها الاديان والدور الايجابي لقادة الرسالات السماوية في رعاية بني الانسان وتوجيههم الى السبيل الامثل في بناء مجتمعات قائمة على اسس المحبة والسلم والوئام.. ومن اجل تعزيز ونشر ثقافة التسامح، وخلق روح التعايش السلمي بين الشعوب والافراد ومد جسور الحوار مع أتباع الأديان والثقافات قادة ومفكرين وباحثين ومؤسسات، ولان الحوار هو الحل الامثل للصراعات والازمات التي يعيشها عالمنا اليوم، والمسؤولية تقع على عاتق الجميع نؤكد على ضرورة حماية التنوع في العراق متمثلا بمكوناته الدينية والقومية واللغوية المختلفة، لانه من دون تعددية المجتمع العراقي، لايمكن الحديث عن هوية انسانية ولا تخيل حوار غني وحيوي. ووسط واقع عراقي يسوده العنف وتزعزع الثقة بالاخر وسوء التفاهم الديني، وتسييس التعاليم الدينية وهجرة قطاعات هائلة من السكان والشباب على نحو يهدد تماسك المجتمع ووجوده، نعلن اهمية التصدي للطائفية التي تغذيها التأويلات المتطرفة للدين، ولأن الدين يمكن ان يكون جزء من الحل بدلا من ان ينظر اليه مصدر للمشكلة، وبما انه يمثل جسرا لتحقيق السلم الاهلي ومصدرا مهما لبناء السلام الدائم، سيكون له الاثر البالغ في بناء مجتمعنا والانتقال بها من صعوبات المرحلة الانتقالية إلى عالم الاستقرار الدائم. وفي هذا السياق لا يمكن التفكير بنجاح حوار بناء من دون احترام التعددية الدينية، فالتنوع الثقافي والتعددية الدينية والاثنية يمنع الانعزال الاجتماعي للمكونات والانقسام الديني والمذهبي مع الاحتفاظ بالخصائص الذاتية لهوية كل مكون ومعتقدات اي دين او طائفة . إن صناع السلام المجتمعين اليوم هنا، هم ابناء أسرة عراقية واحدة يجمعهم مصير مشترك، لذا لا توجد هوة خلافية كبيرة بين من يعيشون على ارض لا انفصال فيها، وتجمع عقولهم تحديات مشتركة ويحملون بين ثناياهم امنيات واحدة في عيش رغيد وحياة كريمة لكل المواطنين في بلادنا. وهم جزء من قوة تحمل دعوة روحية للعمل المشترك لمواجهة التشرذم والتفكك الذي قد يسوقنا للهلاك والنهاية الغير محمودة. ليس الحوار الذي نسعى اليه مجرد اصدار بيانات او تعاطفا شكلياً مع اي طرف بل هو رغبة حقيقية للتواصل مع الجميع، لبناء علاقات ايجابية. وبالتالي تدعيمها بما يلبي طموح المجتمع في تحقيق الامن والسلم والعدالة والحرية . لذلك توصلت ورشة الحوار الروحي لصناع السلام من رجال الدين في العراق الى توصيات تمثل برنامج عمل مشترك يهدف الى ما يلي: –
العمل المشترك بين القادة الدينيين والمدنيين لحماية التنوع في العراق من خلال حوار فعال بين صناع السلام في العراق.
توسيع دائرة الحوار ليضم المثقفين والاكاديميين وناشطي المجتمع المدني والعلماء الدينيين والمدنيين لتحقيق دولة المواطنة.
تشجيع الخطاب الديني المعتدل والتصدي لخطابات الكراهية التي تتبنى تفسيرات غير مسؤولة للنصوص الدينية، ومن ثم يمكن الحديث عن مشروع اصلاحي يتبنى التفسيرات والمواقف الوسطية التي تتجسد في جوهر الرسالات السماوية التي تعزز العمل المشترك من اجل السلام وتوضح طبيعة الجوهر الواحد للأديان من اجل خير الانسان وصلاحه .
الدفاع عن الحرية الكاملة للمعتقد وحرية التفكير والحرية الشخصية واختيار الدين والقومية لكافة العراقيين بما يتفق مع الدستور العراقي والاتفاقيات الدولية، وما تضمنه الشرائع السماوية.
التصدي للتمييز بكافة أشكاله على اساس الدين او المعتقد او اللون او العرق أو الجنس، ولكل فعل من شأنه الانتقاص من كرامة الإنسان.
احترام التعددية الدينية والثقافية من خلال تبني مناهج ثقافية ودراسية تتلاءم مع تعددية المجتمع الدينية والاثنية وتنوعه الثقافي، وبما يرفع من اهمية ومكانة هذه التعددية في بناء عراق ديمقراطي موحد”.