في مخيم الجلزون بالقرب من مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة، يبدو الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات حاضرا بصورة كبيرة له على نصب تذكاري رخامي في زيه العسكري وكوفيته بينما علقت صوره في بيوت الفلسطينيين الذين يريدون الاحتفاظ بذكرى رجل يجسد معركتهم.
وقد اطلق اهالي المخيم على الساحة الصغيرة اسم ميدان عرفات. وعند النصب وضعت صور صغيرة للقيادي الراحل خليل الوزير (ابو جهاد) واخرى للقيادي الراحل صلاح خلف (ابو اياد) اللذين اغتالتهما اسرائيل في 1988 و1991 على التوالي.
كما وضعت صور وملصقات “لشهداء” المخيم عند النصب في الميدان الذي يعتبر المركز التجاري للمخيم الواقع في قضاء رام الله ويعيش فيه نحو 13 الف لاجىء فلسطيني من حوالى 35 بلدة وقرية فلسطينية. وقد رسم على احد جدرانه سهم يشير الى القدس التي تبعد 19 كيلومترا.
وفي مكان غير بعيد عن “ميدان عرفات”، يقع بيت الحاج احمد مسعود صافي (90 عاما) واصله من بلدة بيت نبالا قضاء اللد (شمال اسرائيل). وقد علق صورة له مع عرفات في صدر بيته.
وقال هذا اللاجىء الفلسطيني التسعيني باعتزاز لوكالة فرانس برس وهو يمسك بصورته مع الزعيم الفلسطيني الراحل ان “عرفات هو ابو القضية الفلسطينية. هو الذي رفع اسم فلسطين واراد اعادة حقوق اللاجئين انا احب ابو عمار وتاريخه ووطنيته”.
واضاف “نشعر انه دائما في قلوبنا وعقولنا هو والمبادئ التي حملها”. وتابع الرجل “عندي صور كثيرة مع الرئيس وهذه واحدة منها. عندما وصل الرئيس عام 1994 الى الضفة الغربية ذهبنا انا وممثلو مخيمات اللاجئين في الاراضي الفلسطينية وحملنا له (مفتاح العودة) الرمزي على طبق وقدمته له حتى يتذكر دائما قضية اللاجئين”.
وروى ذكريات له مع عرفات. وقال “بعد الاحتلال الاسرائيلي عام 1967 كنت مدير المخيم. كان عرفات ياتي الى المخيم ليلا هو ومصطفى عيسى محافظ رام الله السابق وندور في ارجاء المخيم في سيارة الاونروا (وكالة الامم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) لترتيب وتنظيم الحركة الوطنية”.
واحمد مسعود صافي اعتقل تسع مرات لعلاقته بحركة فتح بين الاعوام 1970 و1993. وقد هدم بيته. وقال “جاءني الحاكم العسكري (وقال لي ساهدم بيتك) اجبته (سيبنيه ابو عمار) فقال لي (الا تخاف ان اعيدك الى السجن) فاجبت لا…”.
اما احد احفاده جمال (16 عاما) وهو طالب في الصف العاشر، فقال ان “عرفات رمز فلسطين ولولاه لما سمعنا عن القضية الفلسطينية”. واضاف “هو حاول ان يحررنا ويبني دولتنا الفلسطينية”.
واضاف “انا اعرف عنه من عائلتي. كان جدي وابناؤه الاربعة بمن فيهم والدي وابنته جميعهم في السجن في وقت واحد تقريبا وكانت جدتي وحدها في البيت. كما استشهد لي عم”.
من جهته، اكد كمال دويك (38 عاما) ان صورة عرفات تشكل استفزازا للجنود الاسرائيليين على الرغم من مرور عشر سنوات على موته.
وقال دويك الذي لجأت عائلته من بلدة صرفند بالقرب من مدينة الرملة “عندما يقتحم الجيش الاسرائيلي المخيم ويداهم الجنود البيوت، فاول شىء يقومون به اذا وقع نظرهم على صور لاصحاب البيت مع عرفات هو تحطيم الصورة”.
واضاف هذا الموظف الحكومي في احدى الوزارات الذي اختار وضع صورة لعرفات ببزته العسكرية بدلا من صورته مع الزعيم الفلسطيني، ان الجنود الاسرائيليين “يبدأون بضرب الشاب صاحب الصورة وكأن الناس تقول لهم عرفات يعيش معنا رغما عنكم”.
وبعدما حمل صورته مع عرفات، قال دويك “التقطت هذه الصورة لي معه عام 2000 وهو يمثل لي الكثير. هو لا يزال حي في وجداننا نحن نفتقده بشدة خصوصا في السنوات الاخيرة التي مرت”، مشددا على ان “موته افقد القضية الفلسطينية الكثير”.
واضاف “لدي صور كثيرة خبأتها اثناء اقتحامات الجيش. صور عرفات موجودة في معظم بيوت الفلسطينيين. فابو عمار شعبي ولم يكن هناك اي صعوبة للقاء الناس به”.
ومصور المخيم جهاد نخله هو صديق لكمال. وهو ايضا علق صورته مع عرفات في دكانه الصغير. وقال “كنت اول مصور للمخيم. عملت مصورا لوكالة (الانباء الفلسطينية) وفا في المقاطعة ولم يبق احد ممن زاره الا وتصور معه”.
واضاف ان “الناس كانوا يطلبون هذه الصور ويريدونها فورا”، مؤكدا ان الزعيم الفلسطيني الراحل “لم يبخل بالصور على زواره من المدن والمخيمات والقرى واهالي الشهداء والاسرى وكل اطياف التنظيمات الفلسطينية والمعارضة”.
وتابع المصور “انا متاكد انه لا يوجد رئيس في العالم له صور مع ابناء شعبه مثلما كان للرئيس عرفات”.
وكان عرفات يستقبل زواره الفلسطينيين ويلتقط الصور معهم سواء كانوا وفودا او افرادا عاديين مع اطفالهم ونسائهم في المناسبات.
واكد مدير مؤسسة عرفات ناصر القدوة لوكالة فرانس برس “نحن متفقون على ان الرئيس عرفات اراد ان يكون حيا في بيوت الناس بعد وفاته من خلال تخليده في هذه الصور وهذه فكرة جميلة”.
واضاف “نقوم في الوقت الحالي بتصنيف الصور التي لها علاقة بالتاريخ وما ان نفرغ منها حتى ننتقل الى تصنيف الصور الاخرى”.
وتوفي عرفات في 11 تشرين الثاني 2004 عن 75 عاما في مستشفى بيرسي دو كلامار العسكري الفرنسي قرب باريس بعد تدهور مفاجىء في صحته، اثر معاناة من الام في الامعاء من دون حمى بينما كان في مقره برام الله حيث حاصره الجيش الاسرائيلي منذ كانون الاول 2001. ولم تعرف اسباب وفاته حتى الآن.