صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

عفوٌ لامراء “داعش” وكبار المفسدين

  كما في السابق، لجأ مجلس النواب إلى خطوات غير مدروسة بحجة أنّها تلبي رغبات وتطلعات الشارع العراقي، والقى المجلس بقوانينه المشوّهة في ساحة القضاء للتخلص من المسؤولية الاخلاقية أمام الرأي العام

 

كما في السابق، لجأ مجلس النواب إلى خطوات غير مدروسة بحجة أنّها تلبي رغبات وتطلعات الشارع العراقي، والقى المجلس بقوانينه المشوّهة في ساحة القضاء للتخلص من المسؤولية الاخلاقية أمام الرأي العام.

 

نهاية الاسبوع الماضي، صوّت مجلس النوّاب على قانون مثير للجدل وهو العفو العام، بعد سجالات واختلافات على أكثر من مسودة تم انجازها منذ العام 2010.

 

برغم أن العراق لديه تجربة مريرة مع قانون عفوٍ سابق انتهى إلى الافراج عن ارهابيين خطرين يشكّلون الان الصف الاول لتنظيم داعش، عادت الكرّة مرة اخرى بالتصويت على قانونٍ جديد، وأوهم النواب، شعبهم، بأنه لا يسمح بخروج المنتمين إلى تنظيم “داعش”، والغريب بأنه لم يأت على اسم هذا التنظيم صراحةً.

 

القانون أوكّل إلى القضاء تشكيل لجان تكون “مجبرة لا مخيّرة” على تلقي الطلبات، للبت فيها في ضوء المواد المثيرة للجدل، لكي تتهم هذه اللجان بأنها من سمحت بخروج الارهابيين والمفسدين في وقت لاحق.

 

“داعش”، هذا التنظيم الاخطر في العالم بامتداد نشاطه إلى الدول الاوروبية، بموجب هذا القانون فأن العديد من اعضاءه سيخرجون من السجون والمواقف، من خلال استثناءات شكلية ورخّوة تمكّن لامراء التنظيم المرور منها.

 

جميع اعضاء التنظيم مشمولين بالعفو، من آوى، وموّل، وحضّر، وهدّد، وحرّض، ونقل، وتستر، بحجة عدم وجود دليلة ضدّه لارتكاب جريمة قتل ضدّ شخص ما، أو اصابه بعاهة مستديمة، أو استهدف مباشرة القطعات العسكرية، او ضرّب مؤسسات الدولة.

 

هذا يعني، أن خليفة داعش، أبو بكر البغدادي، اذا تم القاء القبض عليه الان، ولا يوجد دليل بأنه ارتكب شخصياً هذه الجرائم الاربعة، وأن دوره انحصر على التوجيه والتحريض فيمكن له أن يشمل بالعفو!.

 

أما عن الاستثناءات الاربعة، فهي الاخرى ليست نهائية بل توجد اليات هشّة تسمح للمنضوين تحتها أن يشملوا بالعفو.

 

فيمكن لمن يدعي فقط بأنه اقواله انتزعت بالاكراه- دون التطرق إلى التعذيب-، وكذلك من تم اتخاذ الاجراءات القانونية بحقه وفق اقوال المخبر السرّي أو بواسطة اعترافات متهمين شركاء بصفة شهود أن يطلبوا اعادة التحقيق والمحاكمة، عن جرائم ارتكب بعضها قبل سنوات، وحسمت قضاياها وصدّقت تمييزاً، ما يفتح المجال لضياع الادلة السابقة وبالتالي يتم الافراج عنهم.

 

مشكلات هذا القانون، لا تستثني الوجه الاخر من الارهاب، وهو الفساد فقد وضع المشرّع اليات هشة للتعامل مع جرائم اموال الدولة؛ لان الجميع تم شمله باستثناء من اصاب عمداً المال العام بضرّر أو اختلسه، أو سرقه.

 

وهذه الشريحة لها التخلص من العقوبة بمجرد ارجاع الاموال التي في ذمتها، ما يفتح المجال أمام كبار الفاسدين لاعادة ما سرقوه وبنوا عليه طوال السنوات الماضية مشاريع وتحصلوا منها على ارباح مضاعفة لرأس المال الحرام!.

 

لو افترضنا بأن هذا القانون سنّ لانصاف شرائح تم الحكم عليها ظلماً في ملفات الارهاب والفساد، ما هو تفسير شمول عصابات الخطف الخطرة، والقتلة، والسراق، وقطاع الطرق، ومرتكبي الجرائم المخلّة بالشرف، والعصابات التي اثرت بالاقتصاد الوطني كتزييف العملة والبضائع المضرّة بالصحة؟

 

هذا بالتأكيد يوصلنا إلى حالة بأن القائمين على الشأن التشريعي في البلاد لا يهمهم السلم الامن المجتمعي، ويسعون إلى اثارة الاضطرابات أما عن جهلة أو تعمد.

 

صدق من قال بأن هذا القانون ضربة كبيرة لجهود القضاء والقوات الامنية طوال السنوات الماضية في التعامل مع الجماعات الارهابية، وأنه ضياع لدماء الابرياء، واموال الشعب العراقي.

 

إقرأ أيضا