فاروق ابو شقرا باحث واستاذ جامعي لبناني، انهى دراسته الاولية في لبنان، من اجل اكمال دراسته وتحسين وضعه المعيشي والاجتماعي ترك لبنان وانتقل الى المانيا عام 1959 وبعد سنتين تقريبا ذهب الى السويد عام 1962 ومنذ ذلك التاريخ حتى الان لازال مقيما في البلدان الاسكندنافية.
يحمل ابو شقرا شهادتي ماجستير في مجال “الاديان والفلسفة” وكذلك في مجال “اللسانيات والدراسات السامية” من جامعتي “لوند” و”غوتنبورغ” السويديتين. في العام 1972 انتقل الى هلسنكي ليشغل كرسي الدراسات العربية في قسم الدراسات الشرقية التابع لجامعة هلسنكي، حيث عمل هناك استاذا جامعيا لثلاثين عاما، قبل ذلك وبعد اتمام دراسته في السويد عمل استاذا مساعدا لقرابة الخمس سنوات في جامعتي لوند وغوتنبرغ، يحاضر “استاذ ضيف” في العديد من جامعات العالم باللغات “الانجليزية، السويدية، العربية، الالمانية والفرنسية” ويدير حاليا القسم العربي في جامعة “تارتو” في استونيا، له العديد من المؤلفات من اهمها كتاب “قواعد اللغة العربية باللغة الانجليزية”.
عن تجربته الطويلة شمال اوروبا، ذكرياته مع العديد من الشخصيات الثقافية والسياسية العراقية، تعاونه مع مؤسسة البابطين للأبداع الشعري واشياء اخرى جاء الحوار التالي:
س. اقمت طويلا في منطقة شمال اوروبا ولك مؤلفات عن بعض بلدانها كيف تقيّم تجربة البلدان الاسكندنافية؟
التجربة الاسكندنافية مهمة جدا، ومع ذلك فإنها ربما لا تختلف كثيرا عن التجارب الاوروبية الاخرى لكن الفرق يتضح ويكبر بين هذه البلدان وبين مجتمعنا الشرقي المتزمت، هنا التفاوت الفكري وما تفعله التقاليد والتفاصيل الكثيرة الاخرى التي ترافقنا منذ الصغر، الفوارق هنا بالدرجة الاولى هي التقاليد الاجتماعية وبعض الشكليات الدينية، ان تلك التقاليد تعيش معنا منذ الطفولة ولها تأثير سلبي في معظم الاحيان. كل المجتمعات بينها فوارق ولكن الفوارق تتضح وتكبر بيننا وبين المجتمعات الاوروبية عموما. لذلك حتى المسيحيين الشرقيين تجدهم اكثر تزمتا من مسحيي الغرب بحكم تأثير المجتمع. الملفت ان الجاليات العربية والاسلامية قدمت الى اوروبا بأفكار صدامية وخلقت لها دوائر مغلقة وتصادمت مع المجتمع ومع نفسها.
س. عملت استاذا جامعيا لفترة طويلة في جامعة هلسنكي وفي جامعات السويد كيف ترى تجربة الاستشراق في هاتين الدولتين؟
كنت من اوائل العاملين في مجال الدراسات الشرقية في جامعة هلسنكي وتحديثها نتيجة لتجربتي الطويلة في الجامعة باعتباري احد الناطقين باللغة العربية، لاحقا اصبحت الشرق اوسطيّ الاول الذي يصبح عضوا في مجلس جامعة هلسنكي، كان ذلك القسم نشطا جدا في تدريس اللغة العربية ودراسات الميسوبوتاميّة “دراسات بلاد ما بين النهرين” وهذا القسم يعد من انشط الاقسام في العالم على المستوى الاكاديمي، لفترة طويلة كان التركيز على البعد النظري بالأساس، ثم لاحقا شارك الفنلنديون في دراسات ميدانية بشكل مستقل او ضمن وفود وبعثات دولية تقوم بمهمة الحفريات في العراق، الاردن ومصر، الجامعات السويدية نشطة ايضا في مجال الدراسات الشرقية وربما هم اكثر نشاطا في هذا المجال وحتى المجالات الاخرى، فالسويد شيخة البلدان الاسكندنافية، انهم متقدمون بخطوة على بلدان هذه المنطقة.
س. من المؤسسات الفاعلة بين العرب وفنلندا هي جمعية الصداقة العربية الفنلندية التي عملت فيها والتي نجحت في تنشيط العلاقة بين العرب والفنلنديين لماذا كانت فاعلة جدا في السابق وحاليا ليست كذلك؟
حينما قدمت الى فنلندا عام 1972 انخرطت في تلك الجمعية لأنها قريبة من المجال الذي اعمل فيه، الجمعية لها نشاط كبير جدا منذ تأسيسها في الستينات، كانت اهم وسيلة تواصل مع العالم العربي في ذلك الوقت، خصوصا مع عدم وجود وسيلة تواصل كما هو اليوم، ولهذا ربما كانت الانظار موجهة اليها بشكل كبير، بعد انضمامي بفترة اتذكر مرة ان سكرتيرة الجمعية اخبرتني بوجود اتصال من وسط فنلندا من مزرعة لتهجين الخيول، وكانت هناك خيل عربية ولدت للتو، فطلبوا مني التعاون معهم في تسمية المولود الصغير وان نختار له اسما عربيا، اقترحوا ان يكون المهر باسم “فاروق” على اسمي، طلبوا الاذن مني في التسمية فقلت لهم انتم احرار الاسم ليس حكرا علي! هكذا كانت الجمعية فاعلة ومؤثرة في اهم وابسط الامور فيما يتعلق بالعالم العربي في فنلندا. منذ العام 1977 اصدرت الجمعية كتابا سنويا باسم “مرحبا”، تنشر فيها الكثير من المقالات والتقارير الصحفية باللغة العربية، الفنلندية، السويدية والانجليزية ولي مساهمات في ذلك الكتاب. الجمعية سدّت فراغا كبيرا في مجال العلاقات العربية الفنلندية خصوصا في المجال غير الرسمي، كنا نتعاون مع كل الجهات الناطقة باللغة العربية، الجمعية تحتفل بعيد ميلادها الخمسين هذا العام وكنت احد المحتفى بهم والمكرمين بهذه المناسبة برفقة زملاء اخرين.
س. من المؤلفات التي تختصر عصارة جهودك في مجال تدريس اللغة العربية وقواعدها هو كتاب قواعد اللغة العربية باللغة الانجليزية لاقى الكتاب انتشارا كبيرا.. الى ماذا تعزو ذلك؟
يمثل كتاب قواعد اللغة العربية باللغة الانكليزية “Essential arabic grammar” عصارة تجربتي في مجال تدريس اللغة العربية على المستوى الجامعي، استغرق تأليفه حوالي 24 عاما، ونشرته احدى اهم دور النشر في العالم هي دار روتلدج Routledge””، الكتاب يقدم مبادئ قواعد اللغة العربية باللغة الانجليزية وبحلة جديدة وسلسلة، الكتاب متداول حتى من قبل العرب انفسهم وليس من قبل غير العرب لان يقدم القواعد العربية بأسلوب مختلف، ترجم الكتاب الى السويدية والفنلندية والالمانية، وقد يترجم قريبا الى لغات اخرى منها الاسبانية.
س. شاهدت بين صورك صورة للأديب المصري نجيب محفوظ التقطت بعد حصوله على جائزة نوبل هل كان لك مساهمة في هذا الجانب؟
بشكل او بآخر ساهمت في ذلك، حيث انني ومنذ العام 1967 حرصت على الاهتمام بالأدباء العرب والفات نظر العاملين في جائزة نوبل للأدباء العرب من خلال عملي في جامعتين سويديتين هما “جامعة لوند” و”جامعة غوتبورغ” كنت اعمل استاذا مساعدا في مجال الادب العربي والدراسات الشرقية، كنا نثير تساؤلات عن تغييب الادباء العرب وخصوصا حينما تأتينا استمارة سنوية من قبل جائزة نوبل في مجال الادب من اجل ترشيح اسماء والفات نظر لبعض المبدعين وما يكتب عنهم. في الاقسام الجامعية التي تهتم بالأدب العربي في السويد عادة لا يتم تعبئة تلك الاستمارة لأنه لا توجد ترجمات عن العالم العربي خصوصا للسويدية، وبعد اثارة الموضوع والتباحث مع رؤساء الاقسام المعنية في الجامعتين قررنا ان تكون الخطوة الاولى من خلال ترجمة بعض الروايات العربية والتعريف بها في السويد وخصوصا في المؤسسات الاكاديمية، وقع اختياري في البداية على الاديب “طه حسين”، لكن بعد النقاش صرفنا النظر لان العملية سوف تستغرق وقتا وقد يتوفى الرجل ولا نصل لما نريد، لذلك تقرر ترجمة بعض مؤلفات “نجيب محفوظ” لأنه كاتب مهم واصغر سنا من طه حسين، لكن واجهنا صعوبة في طباعة بعض مؤلفاته لأنه غير معروف ورفضت دور النشر السويدية نشر ما ترجمناه في البداية، ذلك لم يمنعنا من مواصلة المشوار فعملنا على تدريس ما ترجمناه في الجامعة، فعرفه الطلاب ووتولوا لاحقا مهمة ترجمة اعمال نجيب محفوظ، سوّقوه بشكل افضل منّا، وهكذا بعد فترة اصبح محفوظ معروفا في السويد وخصوصا حينما ترجمت اعماله للعديد من اللغات الاخرى، فهذا العامل يؤثر كثيرا في الحصول على الجائزة. اما مناسبة الصورة فهي انني حضرت مؤتمر ادبي عن القصة العربية في القاهرة عام 1989 بعد عام من حصول نجيب محفوظ على الجائزة، وعلى هامش ذلك المؤتمر اجريت معه دردشة لصالح التلفزيون المصري في مركز الاهرام.
س. لديك ذكريات كثيرة مع شخصيات عراقية مهمة حدثنا عنها؟
رافقت الجواهري حينما جاء الى هلسنكي بدعوة من عماش بقي هنا بضعة ايام فطلبوا مني الاخوان في السفارة العراقية مرافقته في هلسنكي فرحبت بالفكرة، رافقته فوجدته هادئا خلاف ما يشاع عنه بأنه رجل صاخب. كذلك رافقت عبد الرزاق عبد الواحد حينما جاء الى فنلندا من اجل المشاركة في فعاليات احدى مهرجانات مدينة يوفاسولا، كان عبد الرزاق سلسا دمث الاخلاق ومرحا جدا. كذلك لي ذكريات مهمة مع الكثير من الادباء العراقيين في زياراتي المختلفة الى العراق، اتذكر مرة وحينما ذهبت الى العراق للمشاركة في احدى المهرجانات الشعرية ذهبت لزيارة الاديب عبد الجبار البصري في مكتبه في وزارة الثقافة والاعلام، فسألني لماذا لا القي الشعر في المهرجان، قلت له: إنني لست بشاعر لكن بإمكاني ان اقرأ بعض قصائد صالح مهدي عمّاش من مخطوطة شعرية احتفظ بها لم تنشر بعد، فتغيرت ملامح عبد الجبار البصري حينها واشار الي بالسكوت دون ان يتحدث، وكأنه لا يريد التحدث خوفا من وجود اجهزة تنصت في مكتبه، وحينما ذهبنا الى خارج المبنى اجابني حينها: “ان موضوع صالح مهدي عماش لم ينته بعد”. وغير ذلك مع الكثير من الشخصيات العراقية الاخرى وحتى شخصيات عربية مثل محمد اركون، محمود درويش وغيرهم.
س. انت من الشخصيات القريبة من صالح مهدي عماش في فنلندا كيف رأيته؟
عماش كان يريد التواصل مع الجامعيين والمثقفين هو كان يعاني عقدة الجامعيين سألته في يوم من الايام ما هو لقبك المفضل قال: “اذا اردت ان تفرحني فخاطبني بـ”الاستاذ” واترك جميع الالقاب الاخرى”، لذلك كان يحرص كثيرا على التواصل معي باعتباري الاستاذ الجامعي العربي الوحيد في تلك الفترة، ربما ذلك لكرهه العسكر وربما لأشياء اخرى لا اعرفها. للرجل ايجابيات وسلبيات لكن بشكل عام الرجل لم يكن مرنا ويسمع النصيحة، انه يتعالى في كثير من الاحيان وهذا ما اوقعه في حيص وبيص مع الكثير من الجهات السياسية والرسمية في فنلندا، كان عنجهيا، كان انفعاليا عشوائيا وعبثيا احيانا، ولم يكن يتقيد كثيرا بالبروتوكولات الدبلوماسية. كان يرد في كثير من الاحيان على ما ينشر في الاعلام الفنلندي، ويرسل لهم ما ردودا انفعالية غير لائقة، كنت انصحه احيانا لكنه لا يستمع للنصيحة، لم يكن يتصف بملامح مسؤول او قيادي، لا يتحلى بالحكمة والمرونة واللياقة الدبلوماسية. لكنه ايضا كان صادقا يتحدث بشكل مباشر جدا ولا يجيد الدبلوماسية. ما اتذكره عن عماش ايضا انه كان يظهر ندمه الشديد عما بدر منه حينما كان وزير للداخلية، ويعتبر بعض تلك التصرفات نزعة واندفاع غير مبرر وانه نادم على الكثير مما قام به. لقد اهداني الكثير من مؤلفاته بتوقيعه واحتفظ له ايضا بمخطوطة شعرية غير منشورة.
س. لك تجربة مهمة وطويلة مع “مؤسسة البابطين” هل تعتقد انها قادرة على مد جسور التواصل بين الشرق والغرب؟
منذ التسعينات وحتى الان لدي تعاون بأشكال مختلفة مع مؤسسة البابطين، انها مؤسسة معنية بالأبداع الشعري وحوار الحضارات، المؤسسة من المؤسسات العربية المهمة العاملة في هذا المجال، لأنها متوازنة ومرنة ومنفتحة على جميع الطوائف والاديان والقوميات. عملت اشبه بمنسق لمؤسسة البابطين مع الكثير من الجهات الاوروبية، وساهمت بإدارة بعض المهرجانات التي تقيمها المؤسسة. في هذا الشهر تعقد مؤسسة البابطين بالتعاون مع الاتحاد الاوروبي مؤتمر دولي كبير لحوار الثقافات في العاصمة البلجيكية بروكسل تحت عنوان “الحوار العربي الاوروبي في القرن الحادي والعشرين نحو رؤية مشتركة”، المؤسسة لها شرف المحاولة الجادة لفتح افاق حوار حضاري مع الكثير من المؤسسات الغربية ونجحت الى حد ما في تلك المهمة.