ماذا يحدث لك وأنت تهوي في جحيم التقشف والتدهور الاقتصادي الذي نزل علينا كالقضاء المستعجل؟ هل نفكر في الاحتياطي النفطي وعدد البراميل الافتراضية من النفط التي صدّع رؤوسنا بها الاقتصاديون؟ هذا النفط الذي جلب لنا الشقاء بدل النماء، وتحول إلى لعنة هدرت دماء العراقيين مقابل كل برميل نزفته أرض العراق، وأخيراً قالت لنا الدول الصناعية اشربوا نفطكم.
يبدو أن هذه المقدمة الجنائزية عن الاقتصاد العراقي غير نافعة، فالجميع يعلم أن أسعار النفط العالمية، ولعدة سنوات، كانت تعانق المائة دولار للبرميل الواحد وتتجاوزها في مرات كثيرة، ولو توفرت لدينا حكومة تعي معنى الاقتصاد لما وقفنا في هذا الموقف الصعب والحسرات تملأ قلوبنا والتقشف يهدد جيوبنا وطموحاتنا في حياة كريمة، فليس تدهور أسعار النفط وحده من تسبب بهذا النكوص الاقتصادي ونقل بلادنا في ليلة وضحاها من ضفة البلاد الغنية إلى البلاد التي تستعطي الدول الأخرى والبنوك الصغيرة، وهل أكثر ذلة من تصريح مديرة البنك التجاري العراقي وهي تلوح لوزارة ماليتنا العتيدة بأنها أقرضته عدة ملايين من الدولارات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة؟
ما حدث أكبر من هبوط أسعار النفط أيها السادة الكرام، فالحقيقة التي لا تستطيع الحكومة قولها هي إن هناك نهراً ثالثاً في العراق الى جانب دجلة والفرات، إنه نهر الفساد الذي أجهز على ما يقارب ٣٠٠ مليار دولار ضاعت كمن ضاع من أبناء العراق طيلة السنوات المرة، وفوق كل هذا تقف الحكومة عاجزة عن استردادها أو اصدار كشوفات رسمية بمصير هذه المليارات الضائعة.
بكل تأكيد إن المبالغ المهدورة أكثر من ٣٠٠ مليار دولار، ولكن هذا الرقم مسجل رسميا في سجلات الحكومة، وبالمقابل يعجز ديوان الرقابة المالية، وهو المؤسسة الرقابية الأعلى في العراق، عن تتبع مصير هذا المبلغ الكبير الذي لو كان محفوظاً في خزائن البنك المركزي لما شعرنا بالضنك الذي أصاب اقتصادنا.
ثروة العراق التي مصدرها النفط لم تعد كافية لجعل العراق بلداً غنيا لمحدودية إنتاجه النفطي الذي لم يتجاوز الثلاثة ملايين برميل يومياً، وهذه البراميل غير كافية لتغطية رواتب أربعة ملايين موظف، ومجموع رواتبهم تقدر بأكثر من خمسين ملياراً سنوياً، فيما يلمح أحد الخبراء الاقتصاديين والمقربين من الحكومة إلى أن الرواتب الفعلية لهؤلاء الموظفين لا تتجاوز الـ١٥ مليارا سنوياً، وما تبقى من الخمسين مليارا تقريبا هو عبارة عن مخصصات يتقاضاها ذوو الدرجات الخاصة في الدولة العراقية المتخمة بالمسؤولين والمستشارين الذين لا يقدمون أي استشارة حقيقة، بقدر ما يجلسون في مواقع للتكسب باعتراف رئيس الوزراء، ومع هذا كله تتجه الحكومة، وبشفافية قلّ نظيرها، لتلقي بصغار موظفيها إلى هاوية الفقر، وتتجه نحو شعبها وتطالبه بشد الحزام، فيما يتنعم أصحاب المعالي ببحبوحة العيش، ويفلت الفاسدون الذي اغتنموا المليارات، في حين يغط المدعي العام للدولة العراقية في سبات عميق، وكيف لا وهو نتاج محاصصة مقيتة ولا يمكن له أن يكون ناكراً لجميل من جاء به ليقوم بالادعاء عليه ومطالبته بإرجاع المبالغ المنهوبة.
أيها السادة وكما يقال؛ إن ما يحدث في العراق أبشع مما ندرك وأقسى مما نتصور.. والقادم بكيف الله!