في زفاف حفيدة صدام

لم أتمنّ في حياتي حضور حفل زفاف قط، مثلما تمنيت حضور زفاف (بنان) حفيدة الدكتاتور…

لم أتمنّ في حياتي حضور حفل زفاف قط، مثلما تمنيت حضور زفاف (بنان) حفيدة الدكتاتور السابق صدام حسين، ذلك الحفل الذي بشرت بـ”أسطوريته”، و”بذخه” وسائل إعلام أجنبية وعربية.

 

وبسبب تلك الرغبة العارمة في حضور حفل الاثنين المقبل، شطّ بي الخيال نحو عمّان، حيث مقر الحفل، فتوغلت بين المدعوين وتدافعت بين أكتافهم، حتى وصلت الى كرسي العروسين!

 

وكي لا يفهم القارئ الكريم أني متشوّق لرؤية “الأساطير” التي ستطلقها رغد البنت الكبرى لصدام، وهي توشح ابنتها المقبلة على الزواج بوشاح الأمومة الملفوف بدماء ودموع العراقيين الذين مزقتهم سياسات أبيها الرعناء، توجهتُ نحو “حفيدة الرئيس”، وتأملت قهقهاتها التي كانت تشبه الى حد كبير سكاكين حادة تطعن خاصرتي وظهري بقسوة، كونها واحدة من أسرة سرقت العراق وهربت تاركة اياه في أسوأ حال.

 

حينها وبفعل شعوري بتلك الطعنات الباردة أغمضت عينيّ واهتديت الى ركن قصيّ حيث استجمعت قواي وبأسي وانا أتطلع الى أقرباء الرئيس وهم يرقصون وكأن شيئا لم يحدث جراء ابتلاعهم العراق لأعوام طويلة.. ضمدت جراحي النازفة، وعدت مرة أخرى الى مواجهة “الحفيدة المدللة”.. لم آبه هذه المرة بطعناتها وكل محاولاتها لصدّي عبر مختلف القهقهات والضحكات المؤلمة، فاستوقفتها بين المدعوّين جميعا، وطالبتها بشجاعة مقرونة بصوت عالٍ، أن تكف عن الرقص على جراح الشعب، وأن تحترم دماءهم التي سالت وتسيل في الموصل وتكريت والأنبار وغيرها، وأن تعيد أموال ذلك الحفل “الاسطوري” الى خزانة الشعب التي نهبها أفراد أسرتها، كي يتم توزيعه على نازحي تلك المحافظات في أقل تقدير.

 

كما طالبتها بأن تقدم اعتذارها لعموم أفراد الشعب الذي يواجه حربا شرسة ضد تنظيم (داعش) المتحالف مع بقايا نظام المقبور جدّها، ثم شرحت لها أيضا خلفية عائلتها الغارقة بالدم، فقد كانت صغيرة جدا حين قام مقربون من جدّها وخالها (عدي)، بقتل أبيها حسين كامل وعمها صدام كامل اللذين كانا قد فرا الى عمان أواسط التسعينيات، قبل أن يعودا الى بغداد ليلقيا حتفيهما، وكيف كانت نهاية خاليها عدي وقصي.

 

تحدثت اليها طويلا عن الجرائم التي ارتكبها جدها صدام ضد أبناء شعبه، وعن مغامراته الطائشة التي اوصلت البلاد الى حافة الهاوية، وعن الاستهتار الذي كان يمارسه أخوالها، وعن مال الشعب السائب الذي قبضت عليه أسرتها، وتحديدا أمها رغد وجدتها “سجودة”.

 

ببساطة أفهمتها أن هذه العائلة ستظل في خزي أبدي الى يوم يبعثون، وأنها لن تتمكن من تطهير أفرادها أبدا ما لم تتبرأ من أفعالها، وتتصالح مع شعبها، وسألتها: كيف لك أن تفرحي بأموال ملايين الأيتام والأرامل والنازحين الذين بلغوا مليوني عراقي وهم بلا مأوى بسببك وبسبب عائلتك؟

 

لم أكمل حديثي، حتى أشارت بسبباتها المزينة بخاتم ذهبي نحو رجلين من ذوي الشوارب الكثة السوداء وهما يلبسان الخاكي، جاءا مسرعين نحوي.. وسرعان ما كنت بين أيديهما ضحية جديدة من ضحايا ذلك النظام الذي لا زلنا ندفع ثمن تسيده على رقابنا سنوات طويلة، فتلقيت صفعات وضربات ذكرتني بالفرق الحزبية المنتشرة بين المنازل الآمنة، وزنازين المخابرات التي لا ترحم، وسجونه التي تشبعت برائحة الدم.. لذا استيقظت من ذلك الكابوس وانا أتحسس جسدي، وتخليت عن امنية حضور ذلك الزفاف المشبع بالدم!!

 

إقرأ أيضا