صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

قصة جندي أبكانا جميعا ولا زال

  في يوم 8/8/1988 بينما كان بيان ايقاف اطلاق النار بيننا وبين ايران يذاع من على شاشات التلفزيون، كان هناك جندي يمشي في الشارع يحمل حقيبته على ظهره ملتحقا الى جبهات القتال وشاهد الناس فرحه وبدٲت تطلق نار فعرف بالخبر فبدٲ بالصياح “بعد ما اموت، بعد ما ٲموت، بعد ما ٲموت

 

في يوم 8/8/1988 بينما كان بيان ايقاف اطلاق النار بيننا وبين ايران يذاع من على شاشات التلفزيون، كان هناك جندي يمشي في الشارع يحمل حقيبته على ظهره ملتحقا الى جبهات القتال وشاهد الناس فرحه وبدٲت تطلق نار فعرف بالخبر فبدٲ بالصياح “بعد ما اموت، بعد ما ٲموت، بعد ما ٲموت….”، جميع الجيران توقفوا ونزلت دموع الفرح ممزوجة بالحزن لما يقوله هذا الجندي الذي لم يهتم للاخرين، بل ظل ينادي “بعد ما اروح للجبهة، بعد ما ٲموت…” وهو فرحان منتشيا مره يركض الى وجهته واخرى يعود ادراجه الى بيته وهو يقفز ويضحك ويبكي ، وجميعنا وقفنا نتفرج عليه بصمت والدموع تنهمر على ماقينا

 

اليوم وانا اتذكر هذه القصة اتساءل: لماذا استشهد مليون جندي على الحدود ؟ ولماذا رجعنا الى ما كان عليه الوضع قبل هذه الحرب بالاعتراف مرة اخرى باتفاقية الجزائر؟  في عام 1990 سجل العراق اعترافه بانه الطرف المعتدي في هذه الحرب العبثية (1980–1988).

 

هل خرج العراق منتصرا في حربه على “الفرس المجوس”؟ انها أكذوبة لازال البعض يصدقها في العراق وبعض الدول العربية، وحتى في ايران.

 

الحرب عززت قبضة النظام الديني على السلطة في إيران وضمنت لهم الاستحواذ عليها للـ50 سنة القادمة، ونفس الحرب عززت قوة سلطة القرية الصدامية التي حكمت العراق بالحديد والنار.

 

ببساطة، الحرب خدمت النظامين وعززت قوتيهما، لكنها دمرت الشعبين، الاقتصاد والتعليم والارض والبناء وكل شيء، والاهم انها اخرجت انسانا مشوها وشعوبا تشبعت بمنظر الدماء والقتل ولا تستطيع ان تعيش بسلام داخلي مع نفسها ومع الاخرين.

 

خطاب النظام كان يؤكد “انتصارنا العسكري” في الحرب، نعم انتصرنا، ولكن بذور الطائفية المقيتة تم زراعتها في تلك الايام واليوم نحصدها.

 

الحرب انتهت وخرجنا منها منتصرين، لكننا خسرنا مليون شهيدا ومليون نخلة في جزيرة الفاو وحدها!

 

الحرب انتهت وايران تجرعت كأس السم، لكن ذلك تم من خلال سيطرة الحرس الثوري الايراني على الشعب والسلطة هناك وحتى اليوم.

 

القصة “الحزينة العبثية” أشاهد اثارها اليوم على صفحات “الفيس بوك”، البعض فرحان ومنتشٍ بنصرنا أو بنصرهم، والبعض الاخر لازال يتخذها شماعة ليلقي اللوم على النظام السابق، لكن لا أحد يتذكر ذلك الجندي المسكين الذي لازال يردد “بعد ما اموت بالجبهة”، لكنه لم يكن يعلم  بٲن ابنه سيخوض نفس الحرب العبثية بعد 28 عاما، ويستشهد هذه المرة في الجبهة الداخلية في حرب عبثية أخرى ضد داعش.

 

هي نفس الحرب وبذات الاهداف ولكن الاطار الايديولوجي الحقيقي لها خرج للعلن، فقد انتقلت من اطارها القومي (العربي-الفارسي) الى اطارها الطائفي المقيت، انا على يقين ان تلك الحرب هي التي مهدت لهذه الأخرى، وان هذه الحرب التي نخوضها اليوم ضد “داعش” عززت قوة السلطة الطائفية/ الفاسدة/ الغاشمة على هذا الشعب المسكين ونهبت ثرواته ومقدراته.

 

نفس القصة المبكية تتكرر، فـ”بعض” العراقيين منتصرون دائما في كل حروبهم، لٲنهم يعشقون الحرب ويكرهون السلام، يكرهون العادل ويحبون الظالم والسارق والفاسق والطائفي العنصري.

 

هذه الحروب التي عززت سلطة الانظمة وجهل العشيرة وقبضة المؤسسات والاحزاب الدينية على هذا الشعب لكنها انهت سلطة الانسان على مصيره واحالته الى كائن ضعيف ، يرقص منتشيا امام جلاديه وسلاطينه ويذهب للحرب فرحا لٲنه سيحقق نصرنا العظيم على الاعداء ، ليعود جريحا او شهيدا الى كوخ ابيه او بيته الطيني ويعود حكامه الى قصورهم فرحين بالنصر الذي حققوه .

 

عندما أقرٲ تٲريخ الحروب في العراق منذ 7 آلاف سنة الى الان أجد نفس ذلك الجندي الجنوبي السومري يخوض هذه الحروب كل تلك السنين، وفي النهاية وبعد ان تضع تلك الحروب أوزارها يتهم هذا الجندي الجنوبي السومري بعراقيته مرة وبعروبته مرة اخرى وبديانته وشرفه في اخرى، فقد خلقه الله ليدافع عن مجموعة لصوص ومستعمرين طارئين على الارض وحكام ظلمه ووطن لا يملك فيه شبرا!

 

متى ستنتهي قصة ذلك الجندي المسكين بسلام ولا يذهب احفاده الى الموت مثلما ذهب هو واجداده وأبناؤه اليها، وهم لا يعلمون اهدافها والى اين تؤول ومن سينتصر فيها؟ لكنهم يعلمون  شيئا واحدا انهم سيموت في جبهاتها ويبقى الوطن وحكام الوطن ومستعمروا الوطن احياء عند ربهم يرزقون؟

 

 

أستاذ علم الاجتماع في جامعة بغداد

 

إقرأ أيضا