صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

كبير باحثي “بروكنغز”: ستراتيجية أوباما بالعراق ناجحة.. وهذه الأسباب

في برنامجه الحالي الذي يتضمن دراسة الاستراتيجية العسكرية الأميركية والتكنولوجيا لشمال غرب آسيا (التي يقع…

في برنامجه الحالي الذي يتضمن دراسة الاستراتيجية العسكرية الأميركية والتكنولوجيا لشمال غرب آسيا (التي يقع العراق ضمن بلدانها)، وكذلك القيادة المركزية الأميركية وميزانيات الدفاع، قدم مايكل اوهانون مدير وكبير باحثي معهد (بروكنغز) المختص بالبحوث والدراسات للسياسات الخارجية الذي عمل محللا في شؤون الأمن القومي في (مكتب الميزانية في الكونغرس)، علاوة على كونه مدير مركز دراسات القرن الحادي والعشرين لشؤون الأمن والاستخبارات، قدم ورقة بحثه الخاصة بالعراق قبل بضعة أيام ولأهميتها الكبيرة تسلط “العالم الجديد” الضوء على كل ماجاء فيها والذي يختص بالشأن العراقي وأسباب تداعياته ومايمكن للإدارة الأميركية القيام به لوقف هذه التداعيات ومواجهة “داعش” وهزيمتها:

 

ان استراتيجية اوباما تجاه العراق خلال السنة الماضية يمكن القول عنها بأنها كانت صائبة اكثر من كونها خاطئة. فبعد السقوط المأساوي للموصل والمناطق المهمة الاخرى التي يقطنها ويسيطر عليها السنة في الشمال الغربي من العراق ربيع عام ٢٠١٤، استعان اوباما بالسلاح الجوي لمساعدة الأكراد في صد هجمات “داعش” (وقد نجح في درء الخطر عن كردستان)، كما ساعدت خطة اوباما في هندسة عملية الانتقال السياسي التي تم خلالها ازاحة رئيس الوزراء نوري المالكي واستبداله برئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي.

 

بعدها تم تقديم أعداد متواضعة من المدربين الأميركان للمساعدة في إعادة بناء الجيش العراقي بعد حالة التفكك وفقدان الثقة التي تعرض لها إبان تلك الأحداث.

 

جميع تلك الخطوات التي تم اتخاذها كانت في المسار الصحيح بلا شك وكان أولها استعمال الضربات الجوية وبطريقة مباغِته لوقف انتصارات اخرى لـ”داعش”.

 

بعدها، كان الانتقال السياسي الضروري للسلطة والذي كان جوهريا للحصول على دعم الكرد والسنّة لحكومة العراق المركزية.

 

وأخيراً، التدريب العسكري الذي كان ضروريا للبدء باصلاح الدمار الذي خلّفه المالكي خلال سنوات حكمه للقوات المسلحة العراقية.

 

لكن، ومنذ الشتاء المنصرم، فان استراتيجية الولايات المتحدة بدأت بالتخبط، بدءا بالتنبؤ الذي أطلقه قائد العمليات في القيادة المركزية الأميركية العليا الجنرال (لويد أوستن) بأن استعادة الموصل ستكون في هذا الربيع وربما لفترة لا تتعدى هذا العام مما كان ينم عن تفاؤل مفرط ولا يستند على الوقائع.

 

اما النجاح او النصر في ربيع هذا العام في تكريت، فانه يعود الى حدٍ ما الى الدور الذي لعبته المليشيات الشيعية المدعومة من ايران والذي فاق في تأثيره السقوط الحالي للرمادي في محافظة الأنبار.

 

وبصورة شاملة فان “داعش” لم يُبدِ درجة من الضعف في صفوفه بالعراق على الرغم من تواجد الأميركان ومجموعة الحلفاء اذا ماتم مقارنة ذلك مع سوريا التي يُفترٓض ان تكون هي الحلقة الأضعف في جبهتي الصراع الأساسي لـ”داعش”، حيث يتوجب على الأميركان والحلفاء القيام بدورهم في الهجوم على “داعش” وهزيمته في العراق.

 

الاستراتجية المُقدٓمة والتي تتضمن إرسال عدة مئات من الخبراء العسكريين الأميركان للتدريب، علاوة على الثلاثة آلاف مستشار والموجودين اصلاً في العراق لبناء مراكز تدريب أساسية في محافظة الأنبار تشكل اخبارا سارة ومرحب بها دون أدنى شك.

 

كما كان من المفهوم جدا بأن الرئيس اوباما، الذي عارض حرب العراق على الدوام، يعي تماماً مسألة إرسال قوات أميركية مرة ثانية في حرب تتطلب دورا ليس سهلا القيام به، مما يعني التأني في إرسال إعداد القوات واعتماد ذلك يشكل تدريجي على اقل تقدير في خطته لمساعدة العراق.

 

كذلك هنالك ترحيب بالبيان الذي أعلنه الجنرال (مارتن ديمپسي) قائد هيئة أركان الجيوش الأميركية والذي أعلن فيه بان الولايات المتحدة ربما توسع جهودها بشكل اكبر خلال الأسابيع والأشهر القادمة في هذا المجال.

 

على اية حال، ورغم كون استراتيجية اوباما التي تبدو معقولة من الناحية المنطقية وعلى مسارٍ واحد، فأنا أقر بأنها مُقيّدة تماماً.

 

يجب على اوباما ان يستمر باتباع النقاط الاساسية لاستراتيجيته، لكن في الوقت نفسه، عليه ان يعمل على تكثيف الوجود الأميركي بما يقارب الثلاثة أضعاف فيما يتعلق بعدد الجنود – جاعلا العدد مماثلا لبعثة قواتنا الحالية في أفغانستان – حيث يتواجد (١٠،٠٠٠) عشرة آلاف جندي أميركي يقومون بدعم ومساندة القوات المسلحة الافغانية التي تقوم ب (٩٠-٩٥) بالمئة من العمليات القتالية في حربها مع القاعدة في أفغانستان.

 

توجد هنالك ثلاثة مخاطر رئيسية ازاء المخاوف المفرطة للسيد اوباما وسياسة التدرج (او الخطوات المتأنية) التي يتبعها في استراتيجيته الان في العراق؛

 

 

اولاً؛ استراتيجيتنا الحالية تضع المستقبل السياسي للسيد العبادي في خطرٍ داهم.

 

يكاد يكون رئيس الوزراء العبادي هو الرئيس الأفضل الذي يمكن لنا تأمله في وضعه الحالي. القائد السني البارز ونائب رئيس الوزراء السابق رافع العيساوي وصفه ب (الشخص الجيد) في حديث له في معهد بروكنگز منذ فترة قريبة، وهذا النوع من الدعم والذي يمكن للمرء ان يسمعه حتى من الساسة العراقيين الذين يشكّون بكفاءته لهو امرُ حسِن.

 

وفي غضون ذلك، على اية حال، فأن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي يبحث وبعناية عن الطرق وكذلك الفرص التي يمكن لها تقويض نهج العبادي وحكمه، وربما عينه ترنو الى استعادة منصبه السابق ثانية.

 

علاوة على المجموعات الشيعية المتعصبة هي الاخرى والتي تضغط على العبادي لكي يتخذ سياسات أكثر تشددا ازاء الكرد وكذلك السنّة.

 

وحينما يتحول العبادي الى شخص عاجز ومن ثم يُهزم ليتخلى عن المنصب كرئيسا للوزراء، والذي يشكل اصلاً القاعدة الأساس والكاملة التي بُنيٓت عليها استراتيجية اوباما العسكرية، فأن ذلك يعني وبوضوح شديد بأن هذه القاعدة الأساس سوف تسقط بكل المقاييس.

 

ثانيا؛ معرفة الامر هذا، يترك العبادي بلا خيار للتساهل مع المليشيات الشيعية وتحّمل دورها

هذه المجموعات المدعومة من ايران، وعلى نفس المستوى، أضحت واقعا وجزءا من حياة العراقيين ولا يمكن استبعاد دورها أبدا. فقد ساعدوا في إنقاذ بغداد من السقوط بأيدي “داعش” الصيف الماضي، عندما خططت لذلك. ومن الناحية الاخرى، فأنها القوة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها في قتال المجموعات المتطرفة و”داعش” ولا تضاهيها قوة أخرى عدا قوات البيش مرگة الكردية.

 

كل المخاطر التي يتم الحديث عنها تأتي من كونهم ربما يؤججون الاحتقان الطائفي واشعال حرب أهلية في العراق وهذا ماذكره العيساوي في حديثه في معهد بروكنگز وشبهها ب “داعش” لكننا في الواقع نقول بان تجنب مثل هذا لاحتمال السيئ يمكن ان يحصل عبر ضم ودمج أفراد هذه المجموعات وبصفة أفراد في تشكيلات الحرس الوطني التي هي الان مجرد حبر على ورق، وعلى مرّ الوقت سيتحول هؤلاء الأفراد الى جنود ضمن القوات الحكومية العاملة باوامر الدولة.

 

العبادي يمكن له ان يتحكم بالمليشيات الشيعية فقط عندما يكون موقعه السياسي قوياً علما ان ملامح المعركة جميعها تشير الى إمكانية هزيمة “داعش” دون ترددٍ او رجعة.

 

 

ثالثاً؛ استراتيجية التدرج العسكرية (او الخطى المتأنية) تعطي العدو مزيدا من الوقت للمناورة

 

اذا ماتم تدريب القوات العراقية المدعومة من الأميركان والحلفاء بخطوات تدريجية بطيئة، فان “داعش” وبلا شك سوف تكسب الوقت الكافي لتتعلم دروساً تكتيكية في وضع مناوراتها، كتغيير أماكن قياداتها الميدانية في المدن التي تسيطرعليها.

 

لكن سياسة “المباغتة وإيقاع الرعب” في التعامل مع مجموعاتها سيفقدها توازنها عبر العمليات العسكرية التي تعتمد على عنصر المفاجأة وهذا ما يعتمده “داعش” نفسها في حرب المدن الحالية والتي لا يمكن إنكارها.

 

في الحقيقة هذا سبب واحد ومهم عن السبب الذي يدفعني لكي أفضِّل انا إرسال المزيد من القوات الأميركية للعراق – المزيد من المدربين – المزيد من المسيطرين على الأجواء – المزيد من الخبراء العسكريين الميدانين.

 

كما أدافع وبشدة كذلك للأنتشار المؤقت “ويجب أن لا يُعلن عنه” لبعض الوحدات الخاصة المباشرة، ذات المهام الصعبة والتي يمكن لها ان ترافق القوات الخاصة العراقية في غارات ومهام قتالية جريئة في حملتها ضد “داعش”.

 

كون ذلك يمثل التحضيرات الضرورية للمعركة التي يمكن خوضها والانتصار فيها ربما خلال هذا العام، او مطلع العام المقبل على ابعد تقدير.

 

ان استراتيجية اوباما الاساسية في العراق لم تكن عقيمة تماماً. لكن خطوات تنفيذها بطيئة جدا وتفتقر للأدوات الضرورية التي تجعلها قادرة على دحر “داعش”.

 

اننا نحتاج للمزيد من العمل يتجاوز (الخطوات التدريجية) في إرسال القوات وتكثيف الإعداد والجهود في العراق بشكلٍ مضاعف ان لم يكن بثلاثة أضعاف في الأشهر القليلة القادمة.

 

إقرأ أيضا