تتدحرج كرة الثلج في اقليم كردستان بسرعة كبيرة في ظل تفاقم الخلافات السياسية بين كبار الاحزاب الكردية لتضع مصير الاقليم على كف عفريت، فالحزب الديمقراطي الكردستاني قام بمنع رئيس البرلمان الذي ينتمي لحركة التغيير بمعية ستة وزراء ينتمون للحركة من دخول أربيل، فيما أبدت حركة التغيير حاجتها لتدويل الأزمة، داعية المجتمع الدولي الى إنقاذ الديمقراطية في كردستان بعد استحواذ مسعود على السلطة.
تتويجا لمسار التطورات السياسية المتسارعة في اقليم كردستان والتي أدت الى منع الحزب الديمقراطي الكردستاني رئيس برلمان كردستان ووزراء الحكومة عن حركة التغيير من دخول اربيل “عاصمة الاقليم”، وجهت حركت التغيير في بيان رسمي صدر عنها مساء أمس الاثنين، وتابعته “العالم الجديد” دعوة للمجتمع الدولي بضرورة التدخل من اجل حماية الديمقراطية في الاقليم، الحركة اكدت في البيان أنها “وجهت مذكرة إلى كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والسكرتير العام للأمم المتحدة ورئيس البرلمان الأوروبي، لمطالبتهم بالقيام بمسؤولياتهم تجاه حماية مبادئ الحريات لحماية الديمقراطية في اقليم كردستان”.
تأتي تلك التطورات على خلفية قيام مظاهرات جماهيرية في مدينة السليمانية ومدن أخرى تخضع لنفوذ حركة التغيير، وكذلك حزب الاتحاد الوطني الكردستاني تطالب سلطات الاقليم بتوفير الرواتب، محاربة الفساد الاداري وضرورة ترك مسعود بارزاني لرئاسة الاقليم، وسواء كانت المظاهرات في الشارع ناتجة عن فعل جماهيري عفوي او ليست كذلك، فان الديمقراطي الكردستاني الذي يعرف ان سقف الاحتقان مرتفع جدا بين الزعامات الكردية وضع الحراك الجماهيري في سلة الصراعات السياسية بين الاحزاب، ولذلك فردة فعله جاءت عنيفة جدا ضد كل مظاهر الاحزاب الاخرى في مناطق نفوذه بما في ذلك شخوص المؤسسات الرسمية في تحول خطير جدا.
وتعليقا على تلك التطورات، يرى الكاتب والمحلل السياسي المتابع للشأن العراقي والكردي يوسف ابو الفوز، أن “الأوضاع مقلقة جدا، والتطورات الاخيرة في التخندق الحزبي واللجوء الى العنف ضد الجماهير العزل، واستخدام السلاح والتراشق الاعلامي والتضييق على الصحفيين، من اي طرف كان، تنذر بالكثير”.
وحول حسم قضية منصب رئيس الاقليم، يشير ابو الفوز في حديث مع “العالم الجديد” الى أن “الاحزاب الكردستانية فشلت في الوصول لحلول توافقية، فلم يبق سوى حل اللجوء الى الشعب، فهو مصدر السلطات وفوق كل اسم وحزب”، منوّها الى أن “احتكار مجموعة الاحزاب الخمسة للسلطة في كردستان، واستمرار مظاهر الفساد وتداعيات النزاع وفق عقلية عشائرية وسياسة الغالب والمغلوب، ومحاولات بعض الأطراف فرض خياراته السياسية، أفرغ العملية الديمقراطية من محتواها الجماهيري، وخلق حالة من الاغتراب الكبير بين الاحزاب السياسية وجماهير الناس”.
أما صباح عباس الناشط في حركة التغيير، فيعتقد أن “الحراك الجماهيري كان عفويا، ولم يكن من تدبير حركة التغيير، لكن الحزب الديمقراطي الذي يقود الحكومة لا يعترف بان حكومته أخفقت في إدارة الازمة، لذلك يلقي اللوم على الاخرين”.
وبشأن ردة فعل حركة التغيير على ما حصل، يردف عباس “بعد ان دعونا المجتمع الدولي للتدخل نترقب ماذا سيحدث، ان لم تتغير الامور فربما تحصل كارثة”.
لكن هناك من يعتقد ان ما يمر به الاقليم يأتي في إطار الجمود الذي أصاب الحالة السياسية برمتها في العراق، كما يقول الكاتب والمحلل السياسي فراس الحمداني في حديث لـ”العالم الجديد”، “أعتقد أنها بداية أزمة حقيقية تجتاح الواقع السياسي العراقي، ما يحصل جاء نتيجة للجمود السياسي للأحزاب والجماهير وعدم قدرتها على طرح البديل، كذلك الازمة الاقتصادية الخانقة التي منعت الاقليم من توزيع الرواتب لأربعة اشهر”.
وبحسب الحمداني فان “مسعود البارزاني كأي دكتاتور آخر وصل الى نهاية المطاف وأمامه خيارين لكل منها أستحقاقاته، إما أن يحترم الشرعية الديمقراطية ويسمح بالتداول السلمي للسلطة ويتنازل عن صلاحياته الاستثنائية وهذا ما لا يستطعيه بسبب تكوينه الحزبي والشخصي، أو يستمر في استكمال مؤسسة الحكم الدكتاتوري والقبضة الحديدية ويحكم سيطرته على الاقتصاد والامن والاعلام” منوها الى ان مسعود ليس بوسعه ذلك أيضاً “بسبب وجود معارضة حقيقية واسعة على مستوى الشارع والاحزاب لذلك فأن أقدام القوات الامنية التابعة للبارزاني على منع يوسف محمد رئيس برلمان كوردستان من دخول اربيل يُعدُّ تصعيداً خطيراً في الازمة الكردستانية ومحاولة من العائلة البارزانية الحاكمة الهروب الى الامام”.
إن ما يحصل حاليا في الاقليم هو الاختبار الحقيقي الأول من نوعه لمدى نضج تجربة الاقليم وقدرتها على استيعاب المعطيات الحاصلة على الارض، حتى الآن الأمور سارت باتجاه استخدام القوة، وسقوط مزيد من الضحايا، إغلاق مكاتب محطات فضائية وتطبيق اجراءات خاصة جدا، بعد تبادل البيانات الرسمية بين أطراف الصراع فان كل الخيارات مفتوحة خصوصا بعد اصطفاف التغيير الى جنب الاتحاد الوطني الكردستاني بخصوص الخلاف الاخير. اذا لم يجر تطويق الازمة فإنها مدعاة لنشر الغسيل وتصفية الحسابات بخصوص عشرات الازمات الاخرى السابقة التي لم يكن الوقت مناسبا لوضعها على الطاولة.