تثير الأحداث الأخيرة في إقليم كردستان الكثير من الأسئلة حول طبيعة الوفاق السياسي بين فرقاء الاقليم ومستقبله، وحول قدرتهم على إدامة الأنموذج الديمقراطي في الإقليم، وكيفية وضع هذا الأنموذج خارج سياق الأزمات التي تعيشها المنطقة، وهل يمكن للكورد- وسط هذا- أن يواجهوا التحديات الداخلية والخارجية التي بدت وكأنها رهان على المشروع القومي للدولة الكوردية من عدمه..
غياب الوفاق السياسي على اختيار رئيس جديد لاقليم كوردستان يكشف عن حجم الصراعات الداخلية، وعن هشاشة المؤسسات الديمقراطية التي يمكن أن تشرعن حقائق الوفاق السياسي في الإقليم، وعدم القدرة على مواجهة استحقاقات الواقع السياسي ومعطياتها، والتعاطي مع الأجيال الجديدة من الشعب الكوردي على وفق ماتتطلبه حقائق التحوّل السياسي، وماتفترضه من قيم حقيقية للحريات المدنية وللشفافية، وللتعبير عن تطلعاتهم الإجتماعية والسياسية والثقافية.
ولعل أحداث العنف التي جرت مؤخرا في السليمانية وحلبجة وقلعة دزه تضع الجميع أمام إختبار حقيقي للحفاظ على وحدة الإقليم من جانب، وعلى مواجهة تحديات الحفاط على المؤسسات الديمقراطية من جانب آخر، والتي تفترض تداولا سلميا للسلطة وعلى وفق ما أقره الدستور وفي إطار وحدة الدولة العراقية، كما أن التظاهرات التي شهدتها هذه المدن، وإجراءات العنف التي تعرض لها المتظاهرون، وقيام الجهات المعنية بطرد العديد من وسائل الإعلام في الإقليم ومنعها من تغطية التظاهرات، تعكس وجود أزمات داخلية، وحساسيات سياسية لم تستطع إدارة الإقليم التعاطي معها بمسؤولية وصراحة، لاسيما وأن العناوين التي حملتها التظاهرات تعبّر عن تململ جماهيري واسع من السياسات الإقتصادية لادارة الأقليم وغياب الشفافية حول الموارد النفطية، وعدم قدرة هذه الإدارة على تلبية احتياجات الشارع الكوردستاني وصرف الرواتب لثلاثة أشهر ماضية، وهذا مايجعل الأجراءات التي إتخذها رئيس الإقليم السيد مسعود البرزاني بطرد وزراء حركة تغيير في حكومة كوردستان وأعضاء برلمان الاقليم من الحركة، ومنع رئيس البرلمان من دخول اربيل تحولا صعبا في مسار الواقع السياسي وتضخم هذه الأزمة، والتي ستنعكس حتما على الشارع الكوردي حتما وعلى عمل مؤسساته المدنية والرسمية، وهو ماصرح به رئيس برلمان الإقليم من حركة تغيير بأن هذه الإجراءات هي إنقلاب على الشرعية.
وبقطع النظر عن التفسير الذي حمّله البعض لهذه التظاهرات، ومن يقف وراءها، فإن واقع الحال يُنذر بتصاعد أزمة خطيرة، وهو ما يحتاج الى وقفة مسؤولة، والى نبذ العنف، وإجراء مراجعة حقيقية للإستحقاقات السياسية، والى الجدّية في النظر الى المشكلات العميقة التي يواجهها الإقليم سياسيا وإقتصاديا وأمنيا، والذي يتطلب معالجة موضوع رئاسة الإقليم، وعلى اسس التوافق بين الأحزاب الكوردية، وبما يحفظ هذه التجربة من الانزلاق في خيارات الصراع الداخلي الذي عانت منه مدن الإقليم طويلا، وبما يكرس قيم الديمقراطية والسلم الأهلي بعيدا عن الأثرة بالسلطة، أو فرض اجتهادات لاتتناسب مع الديمقراطية وسياقاتها.
إن أخطر ما يواجههه هذا الواقع يتعلق بطبيعة التحدي الإرهابي في المنطقة، والكيفية التي ستترتب بها الوقائع خلال العمليات العسكرية التي ستقوم بها القوات العراقية والتحالف الدولي لتحرير مناطق محاذية للإقليم، فضلا عن خطورة مايمكن أن تتعرض له مؤسسة البيش مركة وطبيعة مرجعياتها العسكرية، وكيف سيكون مستقبل مدينة كركوك- وسط هذا الصراع- وماهي الخيارات التي ستبعدها عن الوقوع أمام تهديدات الإرهاب، وتفجير الصراع داخل بنيتها الديموغرافية المتنوعة والمتعددة الأثنيات والمكونات..