فجاة ومن حيث لايتوقع احد، اثيرت قضية غاية في الغرابة، غرابتها لاتليق الا بحال العراق الحالي، ولا يبررها غير الدرك الذي وصل اليه من التردي، جهة اعلامية تشير الى نية تغيير اسم عاصمة العالم القديم، رمز الحضارة المؤسسة للانسانية، ومدينة شريعة حامورابي التي مايزال مدخلها يتفوق على مداخل اعظم دساتير العالم، وموضع اعجوبة الدنيا “الجنائن المعلقة”، وارض الابراهيمية ومنطلقها الى الكون، الجهة المذكورة كما قيل لاحقا، لم تقصد، بل ان احد محرريها ارتكب “خطأً” من حق الجميع التساؤل والشك في دوافعه واسبابه ومن يقف خلفه، مع ان الامر واضح، ولايحتاج الى وثيقة تثبت ان تصرفا من هذا القبيل، لايمكن ان تتفتق عنه عبقرية محرر بسيط وعادي.
قيل لنا بان الخبر تم الاعتذار عنه، وانه عار عن الصحة، وان المراجع الدينية نفته تماما، الا ان الامر مايزال من حيث انطلاقته، والظروف التي احاطت به مثار شك وريبة تحوم حول المقاصد والدوافع، وفي حال كهذا فان كل وطني عراقي معني بان يعبر عن موقفه ورأيه، وان يستنكر مثل هذه النوايا ويجعل الجهات المتربصة، او التي تريد اطلاق بالونات اختبار، تدرك حجم ردة الفعل التي قد تترتب على هذه الفعلة وابعادها، لا بل وضررها على العراق وعلى من يفكرون باطلاقها انفسهم، ومن جهتنا فلقد دعونا صراحة لاطلاق حملة عراقية عالمية للتواقيع ضد هذا العمل، غير اننا لم نباشر التنفيذ، وواصلنا النقاش والتوضيح، وبالاخص بما يتعلق بتصور مطلقي هذا البالون، بانهم بهذا يعززون من مكانة ال البيت والامام الحسن بن علي بن ابي طالب عليهم السلام، وهو امر غاية في السذاجة. ويضخم الريب الذي تحيط به، فماذا يريد من يضع ال البيت بالضد من “بابل” الصرح الحضاري الكوني، ليظهرهم وكانهم “داعش” الفاشية الكارهة للحضارة الانسانية، ويضعهم بعين وعقل العالم، من الهند الى الصين، الى الغرب والشرق، بموضع اعداء اعظم صرح انساني، واحد اعلى ما يملك العراق من مفاخر تؤكد اسبقيته، وكونه موضع الحضارة الانسانية الاول في التاريخ، هذا من دون اخذ حجم الاستعداد لتحريف الحدث من لدن اوساط كثيرة عربية وصهيونية وغربية، نافذة سياسيا واعلاميا تكن العداء للعراق.
مؤكد أن هؤلاء الواقفين يتربصون خلف هذه الدعوة المشبوهة، هم ضد العراق وضد آل البيت، لا بل وضد الاسلام، هذا علما بانهم ليسوا جهة مختصة، فالعراق لايعيش تحت سلطة دكتاتورية ثيوقراطية، والمرجعية لاتملك حق تغيير اسم اية مدينة عراقية لان مدن العراق ملك العراقيين بكل مكوناتهم ومرجعياتهم، وتغيير اسم بابل يستحق استفتاء وطنيا عاما، ناهيك عن ان البلاد رغم كل شي، فيها ورقة تسمى الدستور، وحكومة هي صاحبة القرار.
على العموم فان بعضهم استهول حجم ردة الفعل على الخبر المذكور، وسواء صدر ذلك عن حسن نية، او لا، فان استهواله يدخل في باب الدفاع عن مطلقي الخبر، والتخفيف عنهم سواء لأجل لملمة الخبر ومحو آثاره، او لغرض الالتفاف على موقف الآخرين، وبهذا الخصوص لابد من التبيان بان من جابهوا هذه النية يدركون مسؤولياتهم الوطنية، وانهم لايريدون تحويل هذه الحادثة الى سبب للاضرار بسمعة العراق، ووضعه الدولي، او بمكانة وموقع آل البيت.
كما انهم يتصرفون بوعي تام للتداخلات الحساسة في حالة وموقع بلدهم، وانهم لن يفرطوا باي من رمزياتهم الروحية والحضارية على الاطلاق، ولذلك كله تم التصرف بادنى الحدود، وبالعقلانية اللازمة التي يقتضيها الموقف كما هو عليه راهنا من دون تهور، ولا مبالغة، لقد تحاشينا اي استعمال للحدث عربيا ودوليا، ووضعنا في الحسبان حجم وقدرات المعسكرالعربي المضاد وغيره، والمستعد لتسقط اية هفوة، فلم نوسع دائرة التحرك، ولا سعينا لذلك برغم اننا قد نكون نملك المداخل اللازمة لتحويل هذه المعركة الى وبال على مطلقيها. فاما ماحال بيننا وبين ذلك، فليس من هم بموقع الشبهة، بل العراق ومصلحته، و”بابل” وال البيت عليهم السلام ومكانتهم التي يريد هؤلاء الاساءة لها بنظر العالم.
نحن نهيب بالمرجعية، وبكل العقلاء والحريصين على مصلحة العراق والاسلام، لان يتنبهوا، وان يدققوا في الدوافع التي تقف وراء هذه الاشاعة الخطرة، او محاولة جس النبض، فما يجري براينا هو مؤامرة ضد المرجعية وضد ال البيت، وضد العراق تاريخا وحاضرا، كما اننا نهيب بكل الاخوة الذين يرفضون تغيير اسم “بابل” لان يلتزموا الحذر، ويزنوا بميزان العقل مصلحة العراق، وان لايجانبوا الحكمة والحنكة، لان في الامر ربما منزلقات ستضر بنا، وبمطلقي هذا البالون، وبالعراق الأعز، وليفهم كل من موقعه ماينبغي له ان يفهمه ويتدبره.