حاولت أمريكا خلال السنوات القليلة الماضية استخدام ورقة سورية بهدف الضغط على المعسكر الروسي، إلا ان روسيا استبقت الأحداث والوقائع وفرضت واقعاً جديداً بعد أن تدخلت بشكل مباشر عبر الطيران وإنزال معدات وآليات عسكرية وجنود لسورية، وبذلك رضخت أمريكا للواقع الجديد المتمثل بدخول روسيا بقوة على خط دعم النظام السوري، ومن جانب آخر اعتبر خبراء دوليون أن مكانة الرئيس الأسد، الذي يواجه عاماً خامساً من الحرب، تحسنت على المستوى الدولي والإقليمي، وأنه يبقى لاعبا أساسياً ومؤثراً في البلاد، لاسيما بعد تنامي نفوذ تنظيم داعش في المنطقة.
اليوم يتحرك الأميركيون باتجاه روسيا الذين بعثوا برسائل تطمين إلى النظام السوري، مفادها أن بقاء الرئيس الأسد، صار وراء ظهرهم، أي أنهم تجاوزوا الأمر، وهم معنيون بالبحث مع الروس وباقي الأطراف الإقليمية الفاعلة والمؤثرة بتسوية تتيح إنعقاد مؤتمر جنيف مجدداً للخروج من الأزمة السورية المعقدة، وفي تغيير للموقف الأميركي حيال الأزمة السورية إعتبر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، رحيل الأسد ليس بالضرورة أن يكون من اليوم الأول أو الشهر الأول.. هناك عملية يجب أن تجتمع فيها كل الأطراف معاً للتوصل إلى تفاهم بشأن كيفية تحقيق ذلك على أفضل وجه، وفي الوقت ذاته دعا كل من روسيا وإيران إلى إستغلال نفوذهما لإقناع الأسد بالتفاوض، كما أكد إلى أن هناك حاجة ملحة لتجديد جهود التوصل لتسوية سياسية لإنهاء الصراع السوري الذي دخل عامه الخامس ولإنهاء أزمة اللاجئين في سورية التي تزداد عمقاً وسوءاً، وفي نفس السياق عبر عن إستعداد واشنطن للتفاوض مع الأسد قائلاً “نحن مستعدون للتفاوض، وهل الأسد مستعد للتفاوض؟، وتعد هذه المعطيات تغيراً كبيراً في الموقف الأميركي بشأن الأزمة السورية خاصة بعد إعلان روسيا عن إرسال قوات عسكرية إلى سورية في حال طلب نظام الأسد ذلك، الأمر دفع وزير الخارجية السوري وليد المعلم بالقول إن بلاده تفكر في طلب جنود روس إلى سورية.
في سياق متصل أعلن مدير وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إيه” جون برينان إن أمريكا لا تريد إنهيار الحكومة السورية والمؤسسات التابعة لها لأن من شأن هذا الأمر أن يخلي الساحة للجماعات الإسلامية المتطرفة ولا سيما تنظيم داعش، وقال “لا احد منا، يريد إنهيار الحكومة والمؤسسات السياسية في دمشق”، وأضاف أن عناصر متطرفة بينها تنظيم داعش وناشطون سابقون في تنظيم القاعدة هم في مرحلة صعود في بعض مناطق سورية حالياً، وأكد أن آخر ما نريد رؤيته هو السماح لهم بالسير الى دمشق، مضيفاً لهذا السبب من المهم العمل على إيجاد حل سياسي للخروج من الأزمة في سورية.
وفي السياق ذاته تعد هذه الدلالات تحولاً نوعياً كبيراً تجاه سورية، والتي تعني إن الموقف الأمريكي الجديد هو إعتراف واضح بشرعية النظام السوري سياسياً، وهو أمر فرضته عوامل مختلفة ومن أهمها، صمود النظام السوري وصمود مؤسساته المختلفة، وفشل الولايات المتحدة والغرب فى مواجهة داعش وتوابعه في سورية والعراق، وعدم الوثوق بالمعارضة السورية في الخارج، بالإضافة الى أن التدخل الروسي لحماية سورية ونظامها السياسي من السقوط وضع أمريكا في موقف محرج أمام دول المنطقة والعالم.
مجملاً.. استخدمت أمريكا جميع خططهها للتخلص من النظام السوري لكن جميع هذه الخطط قد فشلت ولم يبق أمام واشنطن إلاّ القبول ببقاء هذا النظام، بسبب عجزها وعدم قدرتها علی إسقاطه بأي شكل من الاشكال، فضلاً عن إن دعم حلفاء وأصدقاء سورية لعبوا دوراً مهماً ومؤثراً في إفشال جميع خطط أمريكا الرامية لإسقاط النظام وتقسيم سورية، فعندما أدركت واشنطن أن دعم حلفاء سورية لهذه الدولة لم يتوقف تحت اي ظروف، إضطرت الی تغير سياساتها وتعلن أن الحوار السياسي هو الأفضل لتحقيق الأمن والإستقرار في سورية، وهذا يعتبر إنتصاراً إستراتيجياً حقيقياً لسورية ولحلفائها خاصة محورالمقاومة وإنتصاراً تاریخیاً لشعوب المنطقة علی الإرهاب والتطرف، وأخيراً أختم بالقول لقد إنتهى زمن الحديث عن إسقاط النظام في سورية، وإنطلقت مرحلة التسويات، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا بقوة هو: هل يبدأ أعداء سورية بمراجعة الحسابات والمواقف تجاه مقاطعة النظام السوري، خاصة أن أمريكا تعمل على “إعادة النظر” في إاستراتيجيتها في سورية؟.
Khaym1979@yahoo.com