هنا أحاول أن أجيب عن سؤال مفترض من سائل أفترضه أيضا، الحقيقة أن السؤال موجود ولكن ما ينقصه هو السائل والإجابة. لنفترض التالي (في مكان وزمان ما يسأل شخص عمّا حدث في العراق او ما حل به ويكتفي بانتظار الإجابة منك لسبب تافه هو أنك عشت في تلك المرحلة وفي ذلك المكان)، الإجابة عن هكذا سؤال ستتضمن فخاخا كثيرة هي في فحواها أسئلة.
سأفترض أنني سأجيب قائلا: في البداية حكم العراق دكتاتور لأمد طويل – هل من المهم ان أذكر انتماء الدكتاتور المذهبي او القومي او المناطقي؟ – وقد اصطدم النظام الذي يتزعمه هذا الطائش بجيرانه وغير جيرانه كالمجنون مما أدخله في عزلة دولية – هل “العزلة الدولية” كناية ظالمة عن الحصار؟ – في النهاية اختار المجتمع الدولي مستندا الى شرعية اتفاقه – هل اتفق المجتمع الدولي بأكمله على اسقاط صدام؟ – ومستندا أيضا الى تمثيل المعارضة العراقية لتوجهات الشعب نحو الديمقراطية – هل كانت المعارضة تمثل الشعب؟ – على اسقاط الطاغية صدام وحزب البعث – هل تم اسقاط صدام وحزب البعث فقط؟ – وقوبل هذا القرار برفض اقليمي من الدول العربية – لماذا ترفض؟ ألم تتأذَ منه؟ ثم كيف ترفض وهي تسهل دخول القوات الأمريكية وتمونها؟ – وهكذا سقط الدكتاتور غير مأسوف عليه.
كانت هناك تسميات عدة لتلك اللحظة، السقوط، الاحتلال، التغيير، التحرير، لكن أبناء نظام صدام ممن اعتاشوا طويلا على تميزهم داخل المجتمع اختاروا التمرد – لماذا لا أقول ان التمرد كان تمردا سنيا؟ – كان هذا التمرد مكلفا للجميع وقد أودى بحياة عشرات الآلاف من الأبرياء. وجود أمريكا في العراق لم تقبل به إيران وسوريا، وقد حوّلتا حياة جنود الاحتلال وحياتنا الى جحيم بتمويل المقاومة – هل كانت مقاومة؟ – النخبة السياسية الحاكمة اكتشفت ان الدعاية الانتخابية الوحيدة التي يمكن ان تضمن لها الفوز وكذلك تمويلها هو الفساد الإداري والمالي – هل كان الأمر مجرد فساد؟ ألم يصل الى رغبات دول؟ – حاول بعض السياسيين التحول الى دكتاتوريات عبر احتكار الفساد، لكن الأمر لم يستتب لهم فتحولوا الى دولة داخل الدولة، السعودية لم توافق على حكم الإسلاميين الشيعة واعتبرتهم امتدادا لإيران – ألم يكونوا كذلك؟ ألم يكن السياسيون الذين دعمتهم السعودية امتدادا لها؟ – قطر وتركيا وقفوا مع جماعة الإخوان المسلمين بشخصياتها العراقية، بالاضافة الى الأكراد.
حاول الشيعة ان يثبتوا للعالم الإسلامي والعربي انهم ليسوا مع الاحتلال، وفي الوقت نفسه ليسوا مع الحكم الطائفي المدعوم من إيران، وليسوا جبناء كي يسكتوا على قتلهم المستمر، وكذلك أرادوا ان يثبتوا أنهم أهل للحكم – كيف يمكن إثبات كل هذا؟ – إلا أنهم وقعوا بسبب كثرة المطالب في أخطاء رهيبة ومؤلمة.
السنة لم يحاولوا إثبات شيء محدد. لم يحاولوا إثبات قناعتهم بالديمقراطية، ولم يحاولوا إثبات ان الإرهاب لا ينتمي لشعاراتهم وطموحاتهم، ولم يحاولوا ان يؤدوا الدور الذي أرادته منهم الدول السنية الكبرى كذلك، وهكذا فهم كانوا يتفرجون على كل شيء، او لنقل انهم تمردوا على كل شيء حتى بات عزلهم حلا – ألم يتعرضوا الى ظلم الأمريكان والشيعة والأكراد والتكفيريين؟
الأكراد لم يكونوا صادقين في شيء، أرادوا الانفصال علنا وخالفوا تلك الرغبة سرا. حاربوا الإرهاب علنا وهادنوه سرا. مالوا الى أمريكا علنا ومالوا الى إيران سرا. اتفقوا على الدستور علنا وخالفوه سرا. آمنوا بالديمقراطية علنا وكانوا دكتاتوريين سرا – ماذا عن مقولة الأكراد جزء من الحل؟ – بالتأكيد ان ما قاله جمال جاسم أمين كان معبرا آنذاك وما زال حيث كتب: أثق بالمتاهة ولا أثق بالدليل!