صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

ما الاغتراب؟

  للاغتراب صور شتّى ولعل أهمّها هو تدخل الرغبة في رؤية الواقع؛ أي إننا ننسج…

 

للاغتراب صور شتّى ولعل أهمّها هو تدخل الرغبة في رؤية الواقع؛ أي إننا ننسج رغباتنا على الواقع كما نشتهي, لا كما هو. وبدون الدخول في جدلية وماهية الواقع, فما نقصده بالذات, هو التعالي عن الأحداث, ورسم صورة ميتافيزيقية للواقع !, ليس لها وجود إلّا في أذهاننا, وهذا هو الاغتراب بعينه.

 

إسقاط الرغبات على الواقع يؤسس لحالة نزاع ذهني حاد, يعمي بصيرتنا للنظر للإحداث, وتغدو قراءتنا هشّة وضعيفة لا ترتكز على أرضية صلبة, نابعة من عمق التجربة المحلية.

 

يشكّل البعض صورة متَخَيَلة  للشعب, ضمن معيارية صارمة تفتقر لأبسط مقومات التحليل, وكأن المفاهيم صكوك مقدسة ومتعالية عن التاريخ. إن هذه النظرة اللاتاريخية للمفاهيم توقعنا في فخ الاغتراب, وتضعنا في خانة “ماينبغي أن يكون” لا “ما هو كائن”, ومن ثم نلعن “الشعب” لأنه لم يقدرنا كمفكرين!.

 

ينتظر الكثير من المتعلمين تحقيق البشارة الكبرى في خروج الشعب العراقي بمحض إرادته للمشاركة في حركة الاحتجاج, ذلك لأن النظرة الميتافيزيقية التي يلتزمونها تحتّم عليهم الركون إلى هذه المعيارية الغريبة.

 

لقد تناسوا هؤلاء, إن سكّان الحواسم, ومدينة الحسينية, ومدينة الصدر, وحي طارق, والشمّاعية, وحي المعامل, والشٌعلة, وغيرها, جماعات ممسوكة, قائمة على العلاقات القرابية , فلا تربطها تعاقدات عقلانية  قائمة على المصلحة الاقتصادية أو السياسية, بقدر ما تحركها الحميميات القبيلة والمذهبية.

 

إن هذه الجماعات تبحث عن  شخصية كارزمية تحركها, أي أنها جماعات ممسوكة, فمن الظلم والإجحاف أسقاط مفاهيم الحداثة, على سكّان الحواسم!!.  ماتحتاجه هذه الجماعات هو لغة التعبئة, فالجمهور في نهاية المطاف لاعقلاني, تحركه الغرائز, ولا يحركه أقتصاد السوق؟!.

 

إن الخطأ الكبير الذي ارتكبه البعض من تذمّره لخروج الحشود المليونية من الصدريين, نابع من الجهل الغريب بقراءة الاحداث, وتصرف لامسؤول يسعى لتغييب جماعات واسعة في (المجتمع) العراقي بتبريرات واهية, ما أدى لاحقاً إلى فقدان الثقة بحركة الاحتجاج القائمة  على أمزجة حماسية ومتسرعة في قرارتها.

 

الحدث العراقي بتداعياته الراهنة لا يمكنه احتمال المفاهيم البرّاقة, والتعامل معها بمعيارية عالية, فالمفاهيم  تٌعاد غربلتها, ويتم التعامل معها كأداة تحليلية نكشف من خلالها واقع الأمور, لا أن ننظر لها بطريقة تتعالى عن منطق الحدث, فهذا الأخير هم من يصنع المفهوم وليس العكس.

 

التصرف بهذه الطريقة المجانية والمتسرعة, يقلب الأحداث رأسا على عقب, ويساهم في تعقيد الأحداث,  ويدخلنا في دوامة أسطورية من طراز خاص !. فلا زلنا في  حالة ما قبل الدولة, ومفاهيم “المواطن”, و”المجتمع المدني” و”الديمقراطية”.. الخ, مفاهيم خالية من محتواها. والخطوة الأولى التي ينغي علينا التعامل بها, هي النظر إلى العراق كجماعات, لا أن ننظر أليه كمجتمع, فهذا الأخير مفهوم حديث  تنطوي دلالاته على, أن هناك علاقات تعاقدية قائمة على العقلانية, وليس العكس.

 

إذا ما نظرنا بهذه الطريقة الواقعية للحدث العراقي, سوف نعلن فك الارتباط عن هذا الاغتراب الذي يٌضاف إلى سلسلة طويلة من الاغترابات!.

 

إقرأ أيضا