خبر خطير مر مرور الكرام، ربما لكثرة أشباهه، فالكوارث تهطل مجتمعة علينا هذه الأيام “بفضل” نظام حكم المحاصصة الرجعي والمشؤوم، مفاد الخبر أن حكومة إقليم كردستان قسَّمت نفط كركوك عمليا، واستولت على أكثر من نصفه فيما يتعالى شخير حكومة العبادي و وزير نفطه. هذا ما أكدته الأرقام التي نشرتها سلطات أربيل أخيرا حول تصدير النفط من قبلها إلى الخارج، حيث أعلن للمرة الأولى أن الإقليم صدر نفطا من حقول كركوك لحسابه، دون موافقة بغداد ولكن بعلمها قطعا( رابط الخبر في خانة التعليقات) .
الأرقام التي نشرت في 12 كانون الأول الحالي، أوضحت ذلك بجلاء وأضافت أيضا أن كميات النفط المهرب بالصهاريج كانت ضمن ما تسميه سلطة البارزاني ” المبيعات الداخلية”، وهي تتراوح بين 40 و 60 ألف برميل يوميا.
وهكذا فإن حقلي “باي حسن” و “قبة أفانا” في كركوك أصبحت تحت سيطرة سلطة البارزاني ولم يبقَ تحت سيطرة الحكومة العراقية سوى حقلي “جمبور” و “قبة بابا”.
من الواضح أيضاً، أن حزب آل البارزاني عقد صفقة مع حزب آل الطالباني الذي يسيطر – عمليا وانتخابيا- على كركوك وليس للبارزاني وجود يعتد به في المحافظة، وإلا كيف يجرؤ البارزاني على تصدير النفط من الحقلين المذكورين دون موافقة حزب الطالباني و قبل تسليمه حصته من النفط العراقي من وراء ظهر الشعب العراقي كله ومنه الشعب الكردي نفسه.
استقيت هذه المعلومات من الخبر المشار إليه أعلاه والذي نشرته وكالة “شفق” ومن رسالة شخصية من صديق خبير بشؤون النفط علق فيها على هذا الخبر.
تطورات الاحتلال التركي: متظاهرون في ساحة التحرير – كما نقلت وكالة” شريف روما” – يسمون الاحتلال التركي بالدبابات والمدفعية لأراض عراقية في نينوى ” التواجد التركي” ، وكأن القوات المسلحة التركية “متواجدة” للسياحة والاستمتاع بالمناظر الخلابة.. ها قد عدنا لمصطلحات ” تحرير العراق وليس احتلال العراق” .. المثل العراقي صحيح إذن : طبع ال بالبدن ما يغيره إلا الكفن!
على فكرة، فعل” يتواجد” يستعمل خطأ غالبا، فهو يعني “يظهر الوجد” في لغة المتصوفة ولا يعني الوجود الكينوني ” الإنطولوجي”.
وفي الصدد نفسه لوحظ صمت سعودي وإيراني ” عريض” حول موضوع الاجتياح و التوغل التركي الجديد بالمدرعات في عمق محافظة نينوى. هذا صمت مقلق جدا، و غني بالدلالات الجيوسياسية:
إذا أمكننا تفسير الصمت السعودي بكون هذه الدولة، ودول خليجية أخرى انضوت تحت محور أنقرة واشنطن منذ زمن طويل، وأن من مصلحة بعض الدول العربية اختفاء “العراق التاريخي القوي” من الخريطة الجيوسياسية، فكيف نفسر الصمت الإيراني؟ هل هو من باب ” مصائب قوم عند قوم فوائد” على اعتبار أن مصيبة سلخ الموصل من العراق إن وقعت وتشكيل إقليم سني مما يتبقى من الشمال والغرب العراقي سيشكل تلقائيا “الإقليم الشيعي” في الوسط والجنوب العراقي النفطي ويعطيه ملامحه الجغراطائفية النهائية وفي هذا فائدة كبرى للمشروع الإيراني؟ كل شيء جائز .. والصمت صمتان .. صمت لا يقول شيئا وآخر ثرثار بالمعاني !
وفي المناسبة الصمت السعودي والإيراني على التوغل التركي بالمدرعات في عمق محافظة نينوى صمت مقلق جدا، شكرا لمن سيثبت العكس و يذكر لنا بعض الأمثلة الموثقة لتصريحات رسمية سعودية أو إيرانية:
إذا أمكننا تفسير الصمت السعودي بكون هذه الدولة، ودول خليجية أخرى انضوت تحت محور أنقرة واشنطن منذ زمن طويل، وأن من مصلحة بعض الدول العربية اختفاء “العراق التاريخي القوي” من الخريطة الجيوسياسية، فكيف نفسر الصمت الإيراني؟ هل هو من باب ” مصائب قوم عند قوم فوائد” على اعتبار أن مصيبة سلخ الموصل من العراق إن وقعت وتشكيل إقليم سني مما يتبقى من الشمال والغرب العراقي سيشكل تلقائيا “الإقليم الشيعي” في الوسط والجنوب العراقي النفطي ويعطيه ملامحه الجغراطائفية النهائية وفي هذا فائدة كبرى للمشروع الإيراني؟ كل شيء جائز .. والصمت صمتان .. صمت لا يقول شيئا وآخر ثرثار بالمعاني!
داخليا يبدو أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر غيَّر موقفه جذريا من هذا الموضوع فبعد تصريحاته يوم أمس والتي استغرب فيها “التصعيد ضد تركيا”! وكأن الجيش العراقي هو الذي اقترب من ضواحي أنقرة!
صرح الصدر اليوم بالكلمات المحيرة التالية 🙁 الاحتلال التركي على الأبواب، وإن هناك أناس تحارب الاحتلال التركي بالطرق العسكرية وغيرها، ونحن نراقب ما تفعل، فإنْ لم تقم بواجبها سنتصرف بعد حين.)
ترى من هم هؤلاء الـ “أناس تحارب الاحتلال التركي”، هل هم بشر مثلنا، أم ملائكة، أم من سكان الكواكب البعيدة؟ و لماذا لا يفعل السيد الصدر مثل ما يفعل مَن يقاومون الاحتلال التركي ويستمر في المراقبة في الوقت نفسه؟ وكم ستستغرق هذه “البعد حين” في قوله “سنتصرف بعد حين”؟ أ هي أقل أم أكثر من ساعات العبادي الثمانية وأربعين؟
يمكن القول بأسف وغضب أنه لم يُلْحَق إذلال بدولة وشعب كما ألحقه حكام العراق بدولتهم وشعبهم في العصر الحديث في مناسبتين على الأقل: الأولى في مفاوضات “خيمة صفوان” مباشرة بعد “مجزرة طريق الموت- بين الكويت والبصرة-” التي ارتكبها الطيران الأميركي ببهيمية منقطعة النظير ضد المدنيين والعسكريين العراقيين، في عهد المعدوم صدام حسين، والثانية في احتلال بعشيقة من قبل الجيش التركي الأطلسي، حيث لم يجرؤ حكام المحاصصة الطائفية في بغداد حتى على تقديم شكوى لمجلس الأمن الدولي بل وتنصل مندوبهم محمد علي الحكيم من مسؤولية عقد الاجتماع المغلق للمجلس وألقى بها على روسيا، وحتى حين قدمت الشكوى والبعض يقول هي ليست شكوى بل مجرد بيان إبلاغ بالتطورات التي حدثت فلم ينعقد مجلس الأمن الدولي حتى الآن ولم يجر أي استعداد لدعوة ممثلي الدول فيه لعقد اجتماع. وكان أردوغان قد توقع أن يهمل المجلس شكوى العراق إن قدمت لأن ( المجلس يعرف أنها غير صادقة ) كما قال لقناة الجزيرة قبل يومين.
الأكثر إذلالا هو أن أردوغان أرسل إلى العبادي وفدا “رفيع المستوى كما قالت قناة الكذب العراقية وشقيقاتها” و يقود هذا الوفد”رفيع المستوى” مجرد مستشار لوزير الخارجية التركية هو المدعو فريدون سينير أوغلو، وما يزال حكام بغداد صامتين صمت القبور حتى الآن بعد أن انتهت المهلة التي حددوها لسحب القوات التركية المحتلة، ما الفرق إذن بين دكتاتورية صدام الدموية وحكومة المحاصصة اللصوصية؟
سلاماً ومجداً يا عراق فهم راحلون وأنت باقٍ!
علاء اللامي: كاتب عراقي