صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

مركز كارنيغي: تفكّك سورية سيُحولها إلى منطلق للأعمال العدائيّة ضدّ إسرائيل

اتسمت استراتيجية إسرائيل تجاه الصراع السوريّ بالغموض والإبهام إلى حدٍّ ما، حيث تجنّب المسؤولون الإسرائيليون…

اتسمت استراتيجية إسرائيل تجاه الصراع السوريّ بالغموض والإبهام إلى حدٍّ ما، حيث تجنّب المسؤولون الإسرائيليون لفت الأنظار على غير العادة بشأن هذه القضية منذ بداية الحرب الأهلية.

 

وخلال هذه الفترة، لم يصدر سوى القليل من التصريحات الرسمية بشأن القضية، لا بل كانت تلك التصريحات مبهمة وإشكالية إلى حدٍّ كبير بشأن القضايا الأوسع ذات الصلة، وعادة ما اقتصرت على موضوع واحد بالتحديد هو نقل الأسلحة الإستراتيجيّة السورية إلى حزب الله، هذا ما جاء في دراسةٍ جديدة أعدّها (مركز كارنيغي لشؤون الشرق الأوسط)، في واشنطن. إضافة إلى ذلك، تابعت الدراسة، لم تبذل إسرائيل أي محاولة فعلية كي تكون جزءً من العملية الدبلوماسية في جنيف.

 

وتابعت الدراسة قائلةً إنّه يبدو أنّ هذا التعتيم والسلبية العامة لافتين إلى حدّ ما، نظراً إلى مدى تأثّر مصالح إسرائيل الجوهرية بأي نتيجة تسفر عنها الحرب الأهلية السورية، إلى جانب ميلها إلى الإفصاح عن آرائها وتوصياتها بقوة. مع ذلك، لا ينبغي على المرء أن يفسّر هذا الخوف باعتبار أن إسرائيل متشكّكة أو غير متأكّدة من نتيجة الحرب.

 

والواقع أن إسرائيل تشعر بالارتباك بسبب الطابع المعقّد والمتشابك للقيم والمصالح والمعضلات التي تواجهها نتيجة للحرب الأهلية السورية. منذ الحرب القصيرة، ولكن العنيفة، التي نشبت بين البلدين في العام 1973، اعتبرت إسرائيل أن سورية، ولاسيّما نظام الأسد، تشكّل تهديداً عسكرياً خطيراً وشريك سلام صعباً وقاسياً، وربما مثالياً لأنها ستطلب الكثير في مقابل السلام ولكنها ستكون أيضاً قادرة على الوفاء بالتزاماتها. وطوال العقود الأربعة الماضية، شهد البَلدان جولات عدة من مفاوضات السلام الثنائية والاحتكاكات العسكرية غير المباشرة أيضاً، في حين انخرطا في سباق تسلّح، وكذلك في تنافس على النفوذ في لبنان.

 

ومع ذلك، ظلت الحدود الإسرائيلية-السورية هادئة وآمنة خلال هذه الفترة بأكملها. وبرأيها، عرّضت الحرب الأهلية السورية إسرائيل إلى عددٍ من المعضلات الحادّة يتعلّق أولها بالنّتائج التي تفضّلها لتلك الحرب. وقد قوبل عداء إسرائيل التاريخي للرئيس السوري بشار الأسد بوجهة النظر التي تقول إنه الشيطان الذي تعرفه إسرائيل (والذي تمكّنت إسرائيل من التكيّف معه إلى حدّ كبير)، في حين أن منافسيه غير معروفين بتاتًا. وتتعلّق المعضلة الثانية باشمئزاز إسرائيل من الأعمال الوحشية التي ارتكبها الأسد بانتظام ضد شعبه، والتي يقابلها جزئياً الإدراك المتزايد بأن وحشية بعض الفصائل الإسلامية الراديكالية التي تشارك في القتال لم تعرف حدوداً أيضاً.

 

أمّا المعضلة الثالثة فتكمن في القلق بشأن المخاطر التي يطرحها احتمال نجاح المعارضة الإسلامية الراديكالية في سورية، والتي يمكن أن تنقلب ضد إسرائيل بمجرّد أن تتمكن من توطيد سلطتها. ويعادل هذا القلق الخوف من أن انتصار الأسد، الذي يعتمد اعتمادًا كبيرًا على إيران وحزب الله وشيعة العراق، قد يشجّع بصورة ملحوظة مساعي هذا التحالف غير المقدّس إلى الوقوف في وجه إسرائيل. وتكمن المعضلة الرابعة في قلق إسرائيل من أن الصراع غير الحاسم والمطوّل في سورية من شأنه أنْ يؤثّر سلبًا بصورة متزايدة على الاستقرار في لبنان والأردن المجاورين، كلاهما مهمان بالنسبة لإسرائيل، ولكنه، في الوقت نفسه، سيبقي القتال الذي تخوضه جميع الأطراف المتحاربة في نطاق الأراضي السورية، وبالتالي سيستنفدها وينهكها ويضعف قدرتها على إيذاء إسرائيل.

 

وتتمحور المعضلة الخامسة حول دور حزب الله في سورية. إذ يبدو واضحًا أنّ العمليات القتالية الواسعة التي خاضها في سورية في الأشهر الأخيرة (بناءً على إلحاح من إيران) دعمًا لنظام الأسد، تحوّل انتباه حزب الله عن إسرائيل، وتستنزف موارده وتكشف خاصرته في لبنان. ومع ذلك، أكسبت تلك العمليات حزب الله خبرة قتالية قيّمة، فضلاً عن المكافآت النقدية والعسكرية الملموسة التي حصل عليها في مقابل الخدمات التي قدمها، والتي يمكن أن تُستخدم في وقت لاحق ضدّ إسرائيل. وأضافت عمليات السمسرة في الجوانب الإقليمية والدولية الأوسع للصراع السوري معضلة سادسة بالنسبة إلى إسرائيل. ففي حين كانت أولوية إسرائيل الكاسحة هي الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة والغرب على الدوام، كان من شأن تبنّي مثل هذا الموقف العلني في سورية أن يهدّد بإحداث قطيعة مع روسيا، التي تُعدّ واحدة من المتبرعين الدوليين الرئيسيين للأسد.

 

وفي سياق الردّ على ذلك، ربما كانت روسيا انتقمت من المصالح الإسرائيلية الأساسية في سورية أو في ما يتعلّق بإيران، أو حتى عن طريق اتّخاذ إجراءات في روسيا نفسها. أخيرًا، قالت الدراسة، كانت هناك حالة من التوتّر بين مَيل إسرائيل إلى الاستفادة من الفوضى الناجمة عن الحرب الأهلية وتحاول التأثير على نتيجتها، وبين الإدراك الواقعي بأنّ سجلّ إسرائيل في مثل هذه الجهود كان بائسًا. إضافة إلى ذلك، لم يكن الاختيار بين التدخّل إلى جانب النظام أو المعارضة واضحًا، لا بلْ أصبح الأمر أقلّ وضوحًا مع مرور الوقت، وزادته تعقيدًا حقيقة أنّ عقد تحالف مع إسرائيل يمكن أن يضرّ المستفيدين منه في سورية أكثر من أن يساعدهم.

 

ورأت الدراسة أنّ تفكّك سورية في نهاية المطاف سيؤثّر إلى حدًّ كبير، على لبنان وإسرائيل، على سبيل المثال، تحويل البلاد مرة أخرى إلى منطلق للأعمال العدائية ضدّ إسرائيل. وخلُصت الدراسة إلى القول إنّه استشرافًا للمستقبل، يتعيّن على إسرائيل أنْ تتعامل مع احتمال أكثر إثارة للقلق يمكن أنْ يتحقق خلال العام 2015، ويتمثّل في التوصّل إلى اتفاقٍ نوويّ مع إيران من شأنه تعزيز مكانة إيران، ويُضعف نظام العقوبات ضدّها، ويمدّها بقدر أكبر من الشرعيّة وبحرّيةٍ أكبر للتدخّل في الشؤون السوريّة واللبنانيّة.

 

إقرأ أيضا