في حدود معلوماتي، لم تعرف الدولة العراقية في هيكلها الإداري منصب المستشار منذ تأسيسها حتى العام 2003. بعد ذلك انفتح باب واسع دخل منه الى جسد الدولة مئات من المستشارين والمستشارات الذين لم تحكم حصولهم على المنصب اية ضوابط او معايير، ولم تكن هناك حاجة فعلية لوجودهم.
في بداية الأمر، استخدم منصب المستشار مكافأة لبعض اعضاء الاحزاب المتنفذة او ممن كانت لهم دالة عليها ايام المعارضة، واصبحوا في سن او وضع صحي لا يسمح لهم بالعمل اليومي. ولأن الخطأ يجر الى اخطاء وخطايا، سرت العدوى في مفاصل الدولة كلها فأصبح هناك جيش من المستشارين والمستشارات التحق برئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء والوزارات والهيئات المستقلة، ولعله انتقل الى مجالس المحافظات إذ لا معلومات لدي عنها.
وفيما بدأت الظاهرة مكافأة لعدد من الافراد، تحولت بسرعة صاروخية الى وسيلة رخيصة للارتزاق ومحاباة للأقارب والأباعد، وايجاد فرصة عمل ذهبية لمن لا يحسن عملا، كما اصبحت وسيلة سهلة لكسب الولاءات وتكوين لوبيات سياسية تنتمي الى هذا الطرف او ذاك سرعان ما تحول بعضها الى مافيات اقتصادية تتحكم في مشاريع الدولة وعقودها المليارية.
لم يعد سرا ان بعض هؤلاء المستشارين كانوا (فضائيين)، بمعنى ان اسماءهم موجودة في كشوف الرواتب لكن لا عمل محددا لهم ولا يتواجدون في الدائرة المعنية، بل ان بعضهم يعيش عيشة هانئة في (وطنه الثاني) ليتسلم رواتبه وكيل له في بغداد. وبعد كل الذي عرفناه عن وجود اسماء وهمية في المؤسسات الأمنية، لن استغرب ابدا لو اكتشفنا فجأة وجود اسماء وهمية في جداول المستشارين ايضا.
وليت الأمر اقتصر على الرواتب العالية التي تستنزف اموال الدولة، فلقد تحول بعض المستشارين الى لعب دور وكيل اعمال المسؤول، يتفاوض نيابة عنه، ويعقد الصفقات المشبوهة لإحالة عقود الدولة الى من يدفع اكثر، ويهرب الاموال ويغسلها في دول الجوار وغير الجوار. ولا حاجة الى التذكير بمستشارين كانوا يستخدمون نفوذهم لابتزاز وزارات الدولة التي تنازعهم على المكاسب. ولا بد ان ما خفي كان اعظم.
نحن اذن ازاء ملف فساد خطير استشرى في المفاصل العليا للدولة، ولا سبيل لقصقصة اجنحة غراب الفساد هذا غير وضع ضوابط لاختيار المستشارين وتوصيف وظيفي لمهماتهم وتحديد لأعدادهم. نحن لا نعرف مثلا كم يبلغ عدد مستشاري رئيس الجمهورية ونوابه ورئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء على اختلاف تسمياتهم.
أرى ان الخطوة الاولى في طريق سد هذه الثغرة الهائلة هي الانتهاء تماما من صيغة المستشار الفرد والتحول الى صيغة الهيئة الاستشارية التي تضم عددا من الاختصاصيين وفق معايير اختيار محددة كي تعمل بروح الفريق الواحد وتقوم بالفعل بدورها الاستشاري المطلوب. لن يحتاج رئيس الجمهورية بصلاحياته المحدودة هيئات استشارية عديدة، خاصة وان لديه ثلاثة نواب يفترض ان يقدموا له الاستشارة المطلوبة، وهؤلاء ايضا لا يحتاجون الى مستشارين لأداء مهماتهم المحدودة اصلا. الا ان مجلس الوزراء، الذي يتولى إدارة الدولة، سوف يحتاج الى هيئات استشارية عديدة، كأن تكون هناك هيئة اقتصادية واخرى امنية وثالثة خدمية، وهكذا. اما الوزراء على اختلافهم فلن يكونوا بحاجة الى هيئات استشارية ولديهم وكلاء عديدون للوزارة وجيش من المدراء العامين والخبراء.
أعرف ان كل ما تقدم هو كلام لا يعدو ان يكون هواء في شبك، ولعله قيل من باب “قل كلمتك وامش” لا اكثر.