صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

مشروع الحرس الوطني

دراسة طبيعة الفصائل المسلحة هي الخطوة الأساسية باتجاه توقع سلوكهم القادم ثم مفاجأتهم وهزيمتهم، أو التمكن من تعطيل تقدمهم وإيقاف عملياتهم الإرهابية، ويجب أن تتم هذه الدراسة في ظل متابعة ونشاط يومي لحركات وسكنات هذه الفصائل المتطرّفة

دراسة طبيعة الفصائل المسلحة هي الخطوة الأساسية باتجاه توقع سلوكهم القادم ثم مفاجأتهم وهزيمتهم، أو التمكن من تعطيل تقدمهم وإيقاف عملياتهم الإرهابية، ويجب أن تتم هذه الدراسة في ظل متابعة ونشاط يومي لحركات وسكنات هذه الفصائل المتطرّفة.

 

وربما يمثل مشروع الصحوات عام ٢٠٠٦-٢٠٠٧ في العراق أبرز الحالات التي انتصر فيها جون ألن عندما درس فريقه طبيعة تنظيم القاعدة، حيث نجح الجيش الأمريكي في الاتفاق مع الجماعات المسلحة السنية وأبناء العشائر في الأنبار وديالى وصلاح الدين وحزام بغداد، والتي ارتبط معظمها بالجيش الإسلامي وأنصار السنة وحماس العراق، واستطاعت أمريكا في نهاية عام ٢٠٠٦ أن تنفق الكثير من الأموال لتنقلب تلك الفصائل والعشائر معها ضد تنظيم القاعدة.

 

عاد الجنرال جون ألن عام ٢٠١٤ لإحياء تلك التجربة الناجحة، لكنه هل أدرك أن الفصائل والعشائر السنيّة منقسمة على أنفسها وتتشكل مما يقرب من سبعة فصائل، معظمها تحتوي على تناقضات وانقسامات سياسية؟ ولذلك قد يلاقي صعوبة في استغلال تلك الانقسامات لإقناع بعض الفصائل المسلحة بالانضمام لمشروع الحرس الوطني السني وتركها السلاح غير النظامي بصورة كاملة. وربما ينجح جون ألن في إقناع بعضهم بالانضمام إلى قتال تنظيم الدّولة (داعش).

 

عام ٢٠١٤ على عكس عام ٢٠٠٦ الفصائل السنية العراقية لا تتمتع بدعم كبير من مخابرات الدول الإقليمية، ما يجعل الأمور أكثر صعوبة عليها أن تبقى بعيدة عن مشروع الحرس الوطني.

 

ويجب أن تتم عمليات الاتفاق مع العشائر والفصائل بالتزامن مع تلبية أهم مطالبها، وليس كما يظن بعضهم أن صحوات الفصائل هي بديل عن قتال صحوات العشائر مقابل مبلغ ارتزاق؛ فمع استمرار القتال بالضد من تنظيم الدّولة ربما ترى قيادات الفصائل أنها قد خدعت، لأنها بدأت تفقد أبناءها مقابل وعود وأموال زهيدة. لذا فقد تقتنع ببدء التعاون شرط تلبية شيء من مطالبها، كما يجب اختيار ودراسة الوقت المناسب الذي تبدأ فيه صحوات الفصائل بالتعاون مع الحكومة العراقيّة!!

 

وهناك مصالح تترتب على نجاح مشروع الحرس الوطني أو صحوات الفصائل السنية؛ إذ يمكن أن ينجح مشروع الحرس الوطني بإقناع قادة العرب السنة بترك خيار المعارضة ورفض العنف، وحتى إذا فشلت تلك الغاية، فيمكن لهذا المشروع أن يؤدي إلى إحداث انشقاقات داخل قادة المعارضة السنية التي بدورها يمكن أن تؤدي إلى التفكك الداخلي لتلك الجماعات.

 

ومشروع الحرس الوطني يمكن، أيضا، من التعرف إلى القاعدة الشعبية لها؛ فمجرد عرض المشروع على القيادات ربما لا يؤدي إلى إقناعها بتغيير سلوكها، ولكن ربما يؤثر في جماهيرها التي قد ترغب في أن يحقق مشروع الحرس الوطني الأمان في النهاية وإلى مزيد من المزايا الحكومية والمالية الأخرى لها، لذا تصبح أقل تأييدا للتطرف، ما يؤدي إلى زيادة الضعوط على قيادة المعارضة السنية للوقوف بالضد من تنظيم الدولة مخافة فقدان التأييد الشعبي.

 

مشروع الحرس الوطني بالتعاون مع الفصائل السنية سوف يأتي بالكثير من المجندين الجدد من ذوي الخبرة في قتال المدن، وتقليل خسائر الأموال التي تنفق على القطعات النظامية، وكذلك المعرفة التامة بجغرافية مُدنِها، بالإضافة إلى المعلومات الاستخباراتية، والتعاطي المناسب مع قضيتها المحلية.

 

وكما أن مشروع الحرس الوطني يمكن أن يؤدي إلى تغيير آراء مؤيدي تلك الفصائل فإنه يمكن أن يؤدي أيضا إلى تقوية العناصر الأكثر اعتدالاً داخل الفصائل السنية، ما يزيد من فرص النجاح، كما أن مشروع الحرس الوطني من المرجح أن يؤثر في القيادات الأقل تعاطفا وحماسة والتزاما بمنهج تلك الفصائل التي ربما تظهر تعاطفا مع تنظيم الدولة (داعش)، ولكنها تفضل السلام في النهاية إذا كان خيارا متاحا، وفي تلك الحالة فحتى لو لم ينجح مشروع الحرس الوطني في تخفيف حدة صلابة الفصائل؛ فإنه قد يؤدي إلى إحداث انشقاقات داخلها؛ فالفصائل السنية التي تحظى بدعم واسع عادة ما تصبح هشة أمام الانشقاقات الداخلية؛ حيث تختلف غايات قياداتها ومستوى التزامهم بصورة كبيرة، لذا فإن أي حوار جاد يؤدي إلى عروض بتقديم تنازلات يمكن أن يؤدي إلى انقسامات داخل الحركة.

 

وحتى إذا لم ينتج مشروع الحرس الوطني سوى نجاحات جزئية فإنه يمكن أن يأتي بنتائج معلوماتية واستخباراتية مهمة، ويمكن أن يُمكّن من التعرف إلى المقاتلين، وكشف طرق الدعم اللوجستي، وتوضيح طرق غسيل الأموال ووسائل التواصل بينهم والكشف عن تاريخ التعاون الإقليمي والمعلومات التنظيمية الحيوية لتلك الفصائل.

 

ومن أبرز الاعتراضات على مشروع الحرس الوطني المناطقي هو أنه قد يمهد للأقاليم أو التقسيم، وكذلك انعدام الغطاء الدستوري له، وأيضاً يحمل اعترافا رسميا بالفصائل السنية التي يتهم بعضها بجرائم الإرهاب.

 

وأظن أن ثمن قبول مشروع الحرس الوطني، مع تلك الاعتراضات، يستحق أن يُدفع إذا كانت هناك ضمانات بطرد تنظيم الدولة.

 

إقرأ أيضا