خرج الشمرّي من وزارة العدل، لكنها ضمناً ظلّت في عهدته. فحزب الفضيلة الاسلامي الذي تأسس منتصف العام 2004، منطلقاً من تنظيم جماعة الفضلاء، وهم مشايخ تلاميذ ومتتلمذون على اليد المرجع الشيخ محمد اليعقوبي، بات واحداً من الاحزاب الفاعلة اثر تمكنه من القبض على منصب محافظ البصرة في ربيع 2005، وعلى مدى اربعة اعوام انتهت مقتبل العام 2009، لتصل الى عهدة ائتلاف دولة القانون.
فالصعود “الغريب” للحزب الناشئ، أثار علامات استفهام كبرى حول المقدرات السياسية للحزب الصغير، والذي كان جناح النجف – البصرة يتحكم فيه الى درجة كبيرة، وفي لحظة فقدان حكومة البصرة، انهار المحور، وبات الحزب، مجرد مقعدٍ يتيم تحت قبة مجلس النواب، وتمثيل صغير داخل التحالف الوطني العراقي، الذي دخل بخلاف حامٍ معه حول تولي حقيبة النفط في الحكومة الاولى بعد أول انتخابات تشريعية، برئاسة ابراهيم الجعفري (وزير الخارجية حالياً)، ما اغضب الحلفاء الشيعة على الحزب، فدخلت البصرة في دوامة صراع، تمثلت بمحاولات اقالة محافظ المدينة الراحل (محمد مصبّح الوائلي)، واصطدامه بكل القوى الشيعية، وصولاً الى الصدام مع طهران، التي رأى فيها الوائلي ومن خلّفه الحزب – حينها – انها تدعم توجهات تحجيم دور “الفضيلة”، وتسعى الى “اغتياله” كما حدث في المؤتمر الصحفي الذي عقده في 17 نيسان 2007، بمبنى المحافظة.
كان للحزب طموحات، لكنها ذابت مع تعقيد المشهد السياسي في بغداد، وتغوّل الارهاب، ومطاحن تشكيل حكومة العام 2010، والخلافات العميقة داخل التحالف الوطني، فخرج “الفضيلة” من “مولد” تشكيل الحكومة حينها، بوزارة العدل، وسمّي النائب الحالي “حسن الشمّري” وزيراً.
الوزير الشمّري، الذي دخل وزارة لا تشكو كثيراً من مشكلاتٍ في سجونها، خرج منها، بملف معقّد عن السجون، والاختراقات الكثيرة التي مثّلت سوابق في تاريخ الوزارة العدلية، فمن هروب سجناء الى استخدام الهواتف النقالة واجهزة الحاسوب، والدخول السلس على شبكة الانترنت، وبالتالي سهّلت كثيراً من الاعمال الارهابية، وتجنيد عناصر جدد، فضلاً عن تهديد الامن الوطني العراقي، وهو ما تمثّل بـهروب سجناء من البصرة، وبادوش، والهروب الشهير لقادة الصف الاول والثاني لتنظيم القاعدة من سجن ابو غريب في صيف 2013.
“العالم الجديد” كشفت في (الاول من نيسان 2014) عن شبكة كبيرة من السجناء تمتلك هواتف ذكية موصولة بالانترنت، فضلاً عن اجهزة (آي باد) في سجنيّ (بادوش) في الموصل و(مجمع العدالة) في الكاظمية.
مصدر موثوق، ابلغ “العالم الجديد” حينها، خلال تقصّيها للاوضاع داخل السجون العراقية، ان “قائد الحرس الجمهوري الفريق الركن اياد فتيح خليفة الراوي، ما زال معتقلا في سجن الكاظمية شديد التحصين، ويملك عدداً من اجهزة الهاتف، فضلا عن (آيباد)، ومسجون في قاطع الخاصة”.
وكشف المصدر ان “قوة من جهاز المخابرات العراقي داهمت قاطع الخاصة في سجن الكاظمية العام الماضي، وصادرت نحو 28 جهاز هاتف محمول واكثر من 20 ايباداً”.
ونوه الى ان “قاطع الخاصة يضم كبار مسوؤلي النظام السابق، فضلا عن قيادات في تنظيمات مسلحة، واخرى من تنظيم القاعدة”، لافتاً الى ان “مداهمة جهاز المخابرات للقاطع جاءت بعد معلومات عن التخطيط لهجمة كبيرة داخل بغداد، من قبل قيادات عسكرية”.
وشدد على ان “حملة المداهمة دلّت على امتلاك اياد الراوي لجهاز آيباد، وجد فيه خرائط لبلدات سورية، وخطط قتال عسكرية للمعارضة السورية، ولاسيما في حلب، كان يزودهم بها الراوي”.
ويقع مجمع العدالة في منطقة الكاظمية، ويطل على نهر دجلة، وعادة ما يستخدم لتنفيذ أحكام الإعدام واحتجاز محكومين مهمين.
فيما اجرت “العالم الجديد” في (اذار 2014) اتصالات مع عدد من سجناء في سجن بادوش للتأكد، من وجود اجهزة هاتف نقال بحوزتهم داخل السجن.
ولم تشهد السجون العراقية أبان وزارة الشمّري، اجراءات مشددة، ووفقاً لشهود من داخلها فان القاعات او “القواطع” تمثل اماكن خارج سيطرة السلطات، وتخشى ادارات السجون وحراسها من الدخول الى “الاماكن المحظورة” لجهة خطورتها وردة الفعل التي قد تؤدي الى “انتفاضات” غير محسوبة، قد “تسقط الاسوار”.
واحدة من ابرز تلك الامتيازات، استعمال الهواتف النقالة من الجيل الثالث المزودة بانظمة تصفح انترنت عبر “السيم الكارت”، او هواتف الجيل الاول، والاحتفاظ بها مع الشواحن وكارتات التعبئة، فضلا عن اقتناء اجهزة “ايباد” متطورة.
ما يهم كشّفه الان، ان وزارة العدل، لم تخرج من يد الفضيلة، فذهاب الشمري كنائب لرئيس اللجنة القانونية النيابية، لا يعني خروجها من تحت سلطته و”استثماراته” فيها، فخلفه الوزير “الفضيلي” الجديد، حيدر الزاملي، والذي عمل مستشارا لوزارة العدل لشؤون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وممثلا عنها في اجتماعات مكتب القائد العام للقوات المسلحة بمجال المعلومات.
مصدر رفيع في الحكومة العراقية، ابلغ “العالم الجديد”، ان ثمة “حراك جدّي ضمن مساعي مكافحة الفساد التي يقودها رئيس الحكومة حيدر العبادي، لفتح ملفات تخص السجون التي تشرف عليها وزارة العدل، ولاسيما ما يخص عقود تجهيز سجون الوزارة بالاطعمة، والتشويش على الهواتف النقالة”.
فبعد سلسلة الهروبات الشهيرة التي نفذها ارهابيون خطرون من سجون الوزارة، اقترح الشمّري، بناء منظومة تشويش داخل السجون الرئيسة، للحد من ظاهرة الاتصالات من داخل السجون، بعد عجز الوزارة عن السيطرة على ادخال تلك الاجهزة او القيام بمداهمات الى قواطع الاحتجاز لمصادرتها.
وطالب نواب باستجواب وزير العدل السابق، الا ان صفقات سياسية حالت دون ذلك. اضافة الى الصدام الذي كاد ان يخرج للعلن مع المجلس الاعلى الاسلامي العراقي، بخصوص تغيير قضاة الهيئة القضائية للمحكمة الإدارية المختصة بالنظر في طعن محافظة البصرة.
مصدر في وزارة العدل، على صلة بملف التشويش وتقنية المعلومات، بيّن في احاديث بفترات مختلفة خلال العام الحالي لـ”العالم الجديد”، ان “تلك المنظومة جهزتها حصراً شركة مملوكة للنائب عن حزب الفضيلة حسين المرعبي، بالشراكة مع وزير العدل السابق حسن الشمري”.
وتعليقاً على هذه المعلومة، يقول المصدر في الحكومة العراقية، ان “الشمري غضّ النظر عن ظاهرة ادخال الهواتف النقالة الى السجون، وتركها تستفحل من اجل تمرير صفقة اجهزة التشويش لصالح شركته مع المرعبي، وبمبالغ كبيرة، لارتفاع اسعار مثل هكذا اجهزة”.
وتقنياً، أوضح المصدر الفني بوزارة العدل، ان “هذه الاجهزة أثرت بشكل كبير على الاتصالات في البلاد، ولاسيما على ابراج شركات الهاتف النقال في محيط السجون، ولمديات بعيدة ومتوسطة الأطوال”، ما دعا الوزارة الى ايقافها بسبب الشكاوى التي كانت ترد من الشركات المشغلة للهاتف النقال، ما جعلها بحسب المصدر “دون فائدة”.
الملف الآخر، الذي سيثار في أروقة الحكومة، هو ملف تجهيز السجون بالاطعمة، والذي يشير بحسب المصدر الحكومي الى ان “اغلب الموردين، هم من حزب الفضيلة، وعلى صلة بالشمري والمرعبي ايضا، خلال فترة استيزار الاول”.