صالح فاضل عبد الزراق معلم من مواليد 1949 في المجر الكبير، تخرّج من معهد المعلمين عام 1969، عيّن معلما في مدرسة “المنار الريفية” في قرية “الصحين” ابتداءا من العام 1971، وبقي فيها قرابة الخمسة عشر عام. عن ذكرياته ومشاهداته في قرية الصحين التي كانت عامرة بأهلها وتحوّلت بعد ذلك الى مجرد ذكرى عن مشاركته في الفلم الروائي “الاهوار” الذي اخرجه قاسم حول في العام 1975 عن تلك الايام التي قضاها هناك جاء الحوار التالي:
– انت من مواليد “المجر الكبير” ومن ابناء المدينة ما الذي جعلك تقضي فترة طويلة من حياتك في قرية الصحين في الاهوار؟
بعد ان تخرّجت من معهد المعلمين عينت من قبل وزارة التربية في قرية الصحين في العام 1971، باشرت العمل في المدرسة وكانت الصفوف عبارة عن صرائف من القصب، ثم بعد ذلك بقرابة العام شيّدت بناية للمدرسة من البردي المضغوط، على اطلال قلعة قديمة لاحد المشايخ هناك تسمى باللهجة المحلية “المفتول”. وبقيت في قرية الصحين حتى العام 1985.
– عملت طويلا في قرية الصحين في الاهوار ماذا يمثل لك ذلك المكان؟
في تلك القرية والقرى المجاورة علاقات اجتماعية ممتازة مع سكان تلك المناطق الطيبين ومع الكثير من السياح والقادمين اليها والذين كانوا يأتون الى هناك طيلة ايام السنة، كنا نشاهدهم ليل نهار لأننا كنا نقضي معظم ايام الاسبوع بلياليها هناك. مما اتذكره ان مديرية النشاط المدرسي كانت تقيم مهرجان المشاحيف السنوي حيث يقام سباق هناك يشارك فيه عراقيون من مختلف المدن العراقية. ومما اتذكره من المواقف الملفتة انه في احدى المرات وصل الى المدرسة ليلا سائح ورحالة الماني يتحدث العربية بلهجة شعبية، وبينما كنا نتناول الطعام افتقد جوازه فبحث عنه ولم يجده فقال: “اظن ان صليلكع اكله!”. الى هذه الدرجة بعضهم كان يعرف لهجات العامة والموروث الشعبي.
– شاركت في فلم الاهوار الذي اخرجه قاسم حول عام 1975 ماذا تتذكر عن ذلك الفيلم؟
اتذكر جيدا ان قاسم حول جاء عام 1975 برفقة مجموعة من الفنيين الى قرية الصحين والقرى القريبة منها، استقر بقربنا في فندق عائم بقرية الصحين، كان يبحث ويسال عن الكثير من تفاصيل الحياة هناك، يزور الناس في بيوتهم يجالسهم ويتحدث كثيرا معهم من اجل ان يتشكل لديه تصور واضح عن كل شيء. ومما اذكره ايضا انه صوّر لقطات من الفلم في احد صفوف مدرستنا وكنت انا المعلم في ذلك الصف، كان الدرس حينها مادة “الحياتية”، فاراد ان يرصد شيئا من الربط بين ما يدرسه الطالب نظريا وبين ما يحصل على ارض الواقع، كان الدرس عن السكر ومنتوجات الحليب، وبعد تصوير الدرس طلب منا ان نقوم مع نفس التلاميذ برحلة مدرسية الى معمل السكر في المجر الكبير، وهذا ما حصل، ذهبت برفقة الاطفال ومعنا الكادر الفني والمصورين، اراد مني ان اترك الاطفال على عفويتهم واراد رصد ردود افعالهم وتعابير وجوههم هناك تجاه بيئة مختلفة عن بيئتهم، ومن الطريف ايضا انه في المعمل كان هناك شريط متحرّك “قايش” ينقل اكياس السكر الى مكان تجمع فيه، كان الاطفال يدفعون الاكياس على الشريط متصورين انهم سوف يساهمون بسرعة الشريط! ثم اتفق حول مع العاملين في المعمل على وضع قطع من السكر بين الاكياس دون علم الاطفال من اجل مشاهدة ردة فعلهم تجاه ذلك، فكان ردة فعلهم انهم حاولوا قضم تلك القطع من السكر وتذوّقها لأنها شيء غريب.
بعد اكتمال الفلم اراد السكان ان يعرفوا هل كان الفلم حقيقة ام لا؟ فجلبت الجهات المعنية شاشة سينما كبيرة ووضعت على حائط المدرسة الابيض من الخارج وجلس السكان في مشاحيفهم بأعداد كبيرة يشاهدون الفلم في الاهوار وهم وسط المياه في منظر ملفت جدا.
– في قرية الصحين كان هناك معلمان ملفتان للنظر الفندق الصغير وقصر صدام حسين هل تتذكر عنهما شيئا؟
الفندق بني في النصف الاول من عقد السبعينات اما القصر او دار الضيافة فبني في الثمانينات بعد زيارة صدام حسين الى قرية الصحين، القصر يضم ثلاث مباني، دار ضيافة، مطبخ خاص، مبنى للحماية الخاصة بالقصر.
– متى كانت الزيارة وهل صادف وجودك هناك؟
مما اتذكره ان صدام حسين جاء الى الاهوار عام 1983 وزار قرية الصحين، استقر في الفندق السياحي وقف هناك والقى خطابا على الناس. واثناء زيارة صدام حسين اتذكر ان حمايته قتلوا شخصا جاء الى منطقة كرملية التي صادف فيها وجود صدام فأمروه بالتوقف لكنه لم يسمع بسبب صوت المحرك “الشختورة” فرموه واردوه قتيلا.
شخصيا كانت لي قصة مع صدام حسين هناك، كنت في المدينة وحينما عدت الى الاهوار سمعت ان صدام حسين جاء الى العمارة ويتواجد في معمل السكر، فتوقعنا انه ربما يزور الاهوار ويزور المدرسة، وفي ظهر ذلك اليوم قبيل نهاية الدوام وصل صدام حسين الى الصحين وتوجّه للمدرسة، خرجت الى باحة المدرسة فرأيته وقد لبس كوفية حمراء وبيده بندقية، مدرستنا كانت متوسطة وابتدائية في نفس الوقت، تجوّل في صفوف المدرسة وكان حينها معنا مدرس مصري، لفت نظر صدام حسين طريقة تدريس ذلك المدرس ولهجته التي تقلب حرف “الذال” الى “زاي”، فسأل عن وجود هذا المصري، اجبته بأن الكادر التدريسي بما في ذلك مدير المدرسة جنّد في الجبهة واخذوا الى منطقة “البسيتين”، ردّ علي لا تقل: البسيتين، بل قل: “الاراضي المحررة”، وأمر بإعادة الكادر الى المدرسة، مرافقه الشخصي “صباح مرزا” امسكني بقوة وقال: هل عرفت ماذا قال الريس؟ اجبته نعم! في صباح اليوم الثاني تابعت الموضوع واستعدنا الكادر.
– هل تعرف شيئا عن بعض الطلاب الذين درستهم هل تتواصل مع بعضهم؟
رغم كثرة اعداد الطلاب الذين قمت بتدريسهم وطول المدة الزمنية الا اني لا زلت اتواصل مع بعض طلابي بين الحين والاخر، لقد درّست اعداد كبيرة.. من جملة من درستهم مدير عام صحة الرصافة ببغداد الدكتور علي بستان نعيمة، محافظ ميسان علي دواي وهو من مواليد تلك قرية الصحين وغيرهم آخرين.