مع مقتل مئات الأشخاص يوميا في الحرب المستعرة بالعراق مع مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية المتشدد تتوسع مقبرة وادي السلام في مدينة النجف المقدسة عند الشيعة بشكل سريع ممتدة إلى المناطق الملاصقة لها.
ولمقبرة وادي السلام مكانة خاصة في قلوب الشيعة. فهي تحيط بضريح أول أئمتهم الإمام علي بن أبي طالب.
ويقول المؤرخ وأستاذ الدراسات العليا في جامعة الكوفة حسن الحكيم إن الشيعة في العالم كله وليس في العراق فقط يقدسون المكان ويتمنون أن يواروا الثرى فيه.
وأضاف لتلفزيون رويترز “المكان له قدسيته. من أين جاءت هذه القدسية؟ أولا هناك أحاديث منسوبة إلى الأئمة عليهم السلام يُحبذون الدفن في وادي السلام. حتى ينال الميت شفاعة أمير المؤمنين في يوم الحساب. هذا المُعتقد دخل في أذهان الناس وأصبحت الدفن أو المجاورة أمر ضروري. ولهذا يوصي فلان يموت في أمريكا.. في أوربا.. في مكان بعيد.. يوصي بأن يُدفن في النجف وتُنفذ الوصية ويؤتى (به) فعلا ويدفن في هذا المكان.”
وتشهد مقبرة وادي السلام يوميا دفن ما بين 150 و200 حالة دفن لمتوفين لاسيما من قتلى المعارك مع متشددي تنظيم الدولة الإسلامية.
ويوحي الانتعاش الذي تشهده صناعة الجنازات في النجف -حيث يُجلب الجنود القتلى وجثث المقاتلين والمتطوعين والمدنيين الشيعة من أنحاء العراق– بارتفاع عدد القتلى في البلاد.
وشهدت المقبرة ذاتها معدلات دفن مماثلة أثناء الحرب العراقية الإيرانية بين عامي 1980 و1988 عندما كان يُدفن مئات الأشخاص يوميا. وأشار الحكيم إلى أن التاريخ يعيد نفسه الآن.
وقال أستاذ الدراسات العليا في جامعة الكوفة حسن الحكيم “رأينا في الحرب العراقية-الإيرانية الأعداد التي تأتي بالمئات. وأحيانا تكون الجنائز مجموعة ليست منفردة. مجموعة كبيرة. وحتى اليوم نحن نعاني من مشكلة الاضطرابات والحرب مع داعش وكذلك من القضايا الأخرى. أيضا أعداد كبيرة تأتي إلى النجف ويوميا يُدفن بالمئات إضافة إلى الموت الطبيعي.”
وتنتشر ملايين القبور ذات الأشكال وأساليب البناء والدفن المختلفة في المقبرة التي تمتد لنحو عشرة كيلومترات مربعة.
وعادة ما توحي القبور المبنية بشكل فخم ومزينة بآيات قرآنية مكتوبة بخطوط جميلة بالثراء الذي كان عليه من بداخلها عندما كانوا على ظهر الأرض.
وتمتد المقبرة حول المسجد الذي يضم ضريح الإمام علي بمنطقة وعرة تصطف فيها ملايين القبور متلاصقة لا يكاد يفصل بين كل قبر والآخر فيها سوى سنتيمترات.
وأوضح الحكيم أن انفرادية المقبرة أكسبتها مكانا مبدئيا في قائمة التراث العالمي التي تحددها منظمة التربية والعلم والثقافة (يونسكو) التابعة للأمم المتحدة.
وقال “بما أن المقبرة آخذة بالامتداد والمدينة أيضا آخذة بالامتداد في هذا الجانب فيمكن أن أقول يعني إنها قد تشكل 20 بالمئة من مساحة المدينة. وهذه نسبة عالية جدا يعني في هذا الجانب. ولهذا (نجد) أن منظمة اليونسكو يعني أرادت أن تضيف مقبرة وادي السلام للموروث العالمي.”
وأضاف المؤرخ العراقي “اليوم موضوع إلحاق المقبرة بالموروث العالمي قيد الدراسة. ولو أن الجماعة درسوا القضية هي فعلا أن تدخل ضمن الموروث العالمي. ليش؟ ما السبب؟ أولا لقدمها التاريخي. هذا جانب مهم. اثنين الانفرادية التي تأخذها المقبرة. هي أوسع مقبرة في العالم. لما تكون انفرادية من حيث السعة بهذا الشكل. عدا الأعداد الهائلة الكبيرة. والنقطة الثالثة وهي المهمة مازال التواصل موجود. يعني الإضافة.. يوميا تُضاف مئات المقابر.”
وتأتي قيمة المقبرة من كونها تضم أقدم قبور لمسلمين. فتاريخ الدفن بها يعود إلى عصور قديمة قبل العصور الوسطى. وهي تضم رفات ملايين المسلمين. كما تضم قبورا لسلاطين وقيادات من الدول الحمدانية والفاطمية والبويهية والصفوية والقاجارية والدولة الجلائرية.
ونظرا لندرة المتوفر فقد قفز سعر قطعة الأرض العادية التي تستخدم مدفنا للعائلة بمساحة 25 مترا مربعا بالمقبرة إلى نحو خمسة ملايين دينار عراقي (4100 دولار) أي نحو مثلي المبلغ الذي كان يُدفع في ذات القطعة قبل تفجر العنف بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات واسعة من شمال وغرب العراق في 2014.
وتُستخدم في المقبرة أساليب دفن مختلفة منها اللحد والقبو وغير ذلك مثل القبور الخاصة التي توضع فيها الجثث المتحللة.
المصدر: رويترز