ملامح لصورة التكنوقراط الجديدة في العراق وفق دعوات الشعب للإصلاح

    التكنوقراط الاداري وادارة التكنوقراط د

 

 

التكنوقراط الاداري وادارة التكنوقراط

د. رحيم الساعدي

 

قبل البدء يمكننا ترشيداً للوقت والأفكار باعتماد صورة المقال المشترك، وقد يتحول الى مقال ثلاثي في وقت آخر حسب طبيعة الموضوع الذي نود بحثه ودراسته، ونظن بان خارطة المقال المشترك تستند على تكثيف الأفكار وتبادلها ومشاركة العقول، تلك التي لا يجب ان يؤطرها البحث الموسع او الكتاب فقط، فتاخذ وقتاً مطولاً يمثل حالة من قتل الزمن الذي نحن بأمس الحاجة اليه في الواقع العراقي المعاصر، وهنا نعتمد بناء المقال البحثي المشترك او غير المشترك بصورة تقدم لنا بعض الحلول التي تخدم الواقع الذي نعيشه، والذي يتحدد بالموضوعية والحياد والاستشراف وتركيز الافكار، ومن تلك الموضوعات التي نود مناقشتها هي قضية الازمات السياسية التي يمر بها بلدنا ونهوض الشعب لمحاسبة نخبته السياسية ( ان اجيز لنا ذلك ) والتي تصر على قواعد سياسية بالية جُربت لسنوات عديدة ولم تقدم ما يمكنه من اخراج الناس من الحزن والبؤس الذي يستمر معهم بفعل هذه التجارب الارتجالية .

 

ان لفظة التكنوقراط لبست اليوم ملبسا آخر وصارت في العراق بحكم مصيبته الحالية، لا تعني ممارسة أهل الاختصاص اختصاصهم، بل امست منهجاً مفترضاً لأهل الاختصاص الذين لا يسرقون أموال الوطن لصالح كتلهم، ويتضح انها الطريق الذي يطلبه الشعب للذين يعملون وفق قاعدة لا يطاع الله من حيث يعصى، بمعنى ان المفسد يعتقد انه ينصر عقيدته ودينه بجمع الأموال وسلبها (عقود = كومنشن) لخدمة مذهبه أو دينه أو مشروعه .

 

كما ان التكنوقراط باتت مفردة ومصطلحاً لا تعني بالدرجة الأولى المعرفة او التخصص، بل ايضاً منع توزيع الأدوار الإدارية على مجموعة من (الهواة او المتجمعين على حب الله او الأحباب ) مما يقود الى ان تكون الدولة مجموعة من العصب او التجمعات التي تسعى الى بناء أعشاشها لتكوين قاعدة من المنتفعين الذين يتحولون الى موالين بالأجر الخفي .

 

ان التكنوقراط يمثل اليوم (ان طبق) الهروب بالمؤسسة الإدارية الى إلغاء المحسوبية والنفعية وإلغاء شبكة (مرابي الأوطان الجدد) وتنظيم الوقت، وإيقاف تدخل الأحزاب (كل الأحزاب) والارتجاليين، الذين يملكون خارطة واسعة من المنتفعين الذي يتوزعون بطريقة تجمع موارد عديدة لخدمة قضايا فردية، وما يصل الى مسامعنا من قادة الكتل او بعض الوزراء من تشكيك بعملية الاصلاح لا يؤشر الى نوايا بريئة تماماً بعدم اهلية هؤلاء الوزراء الجدد ، واذا كان لا يجب على صاحب الاختصاص من الداخلين ضمن الكتل ان يمتعض اذا ما استثنينا ان عليه الشعور بالفخر بان هناك موضوعية بالعمل وبإمكانه تقديم المعونة والاستشارة فان عليه مسؤولية ان يقرر نكران الذات لا الاحتماء بجدران الكتلة التي تدور في دوامة فساد لا يمكن الافلات منها الا بنكران الذات .

 

فإيقاف النزيف الإداري لهذا الوطن لا يقل عن إيقاف النزف الأمني والاقتصادي والعسكري والمعرفي، وعلى الطبقة السياسية ترك الارتجال في الأمن والخدمات والسياسة،  الذي قاد الى موت مئات الآلاف من الأبرياء الذين ذهبوا بتفجيرات سوء الامن والادارة التي وزعت غنيمتها قبل موت الأبرياء بوقت طويل .

 

 

جدية حكومة التكنوقراط  وجدواها

 

د. رائد جبار كاظم

 

ليس ثمة شك من ان وضع الشيء في موضعه هو محل تقدير واعتزاز وثقة الجميع، وهي رغبة ملحة يتمناها كل انسان في هذا العالم، من ان يمسك اهل الاختصاص والعلم والخبرة والدراية مجريات الاحداث والامور في كل مفاصل الحياة ومجالاتها المتنوعة، وخاصة المجال السياسي، لما للسياسة من اثر كبير تلقي بضلالها على الفرد والمجتمع والحياة برمتها، وهذا ما استدعى مجموعة كبيرة من الفلاسفة والمفكرين والعلماء والادباء للاشادة بالدور الكبير للحكام والحكومات والسياسات العادلة في عملية بناء الدول الصالحة والفاضلة والناجحة، والتأكيد على اهل الخبرة والاختصاص في ممارسة اعمالهم وادارة الامور، لما يتمتعون به من عقل وعلم وتخصص وحكمة لضمان تحقيق نجاحات كبيرة في ادارة الدولة ومؤسساتها، وتحقيق العلاقة الطيبة والايجابية بين الفرد والمجتمع والدولة، وقديماً قال الشاعر ابو الاسود الدؤلي :

 

لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم         وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا

 

وَالبَيتُ لا يُبتَنى إِلاّ لَهُ عَمَدٌ            وَلا عِمادَ إِذا لَم تُرسَ أَوتادُ

 

فَإِن تَجَمَّعَ أَوتادٌ وَأَعمِدَةٌ    لِمَعشَرٍ بَلغوا الأَمرَ الَّذي كادوا

 

اعتقد ان الامر جاء متأخراً من قبل الحكومة العراقية، ومن قبل السياسيين لتبني اطروحة الاصلاحات، وتشكيل حكومة تكنوقراط والدعوة والاعلان لها، وكأنها صحوة متأخرة عنت لهم، ولكنها صحوة تحت ضغط جماهيري كبير، سبقته اشهر طويلة من التظاهر والاعتصام والسخط والغضب والرفض الشعبي لسلوكيات السياسيين والمسؤولين وفسادهم وانحرافهم المزمن والبرامج السياسية السيئة للحكومات السابقة والحكومة الحالية، وغياب التخطيط والاستراتيجيات في ادارة الدولة، هذا ما القى بضلاله على انحراف الواقع السياسي والاجتماعي والخدمي والامني في الواقع العراقي، بعد مضي سنوات طوال من تبديد الثروات والميزانيات الانفجارية، وادخال البلاد في اتون حروب سياسية واجتماعية مزمنة ومهتكة وهالكة للانسان العراقي، الذي عانى ما عانى من شظف العيش وضيق الحال وسوء الخدمات والفقر والامراض، فضلاً عن سياسة المحاصصة والطائفية والمناطقية المتبعة في سلوكيات الكثيرين من السياسين وأحزابهم وخطابهم الشخصي ومنطقهم النفعي الذي تسلحوا به طوال تلك السنوات، والاحزاب ورجالاتها في عز وخير وغنى وسرور وحبور، والشعب في بؤس وفقر وحزن وشرور، ولما ثار الشعب وأستفاق من نومه وأدرك ضحك هؤلاء الساسة عليهم وأستغلالهم، ولذلك خرجوا للتعبير عن رفضهم وسخطهم في تظاهرات مليونية عبرت عن فقدان الشعب لصبره ولشدة بؤس حاله، مما اضطر الحكومة والسياسيين والمسؤولين لتقديم سياسة تصحيحية وطروحات ترقيعية تخديرية لجأت اليها الحكومة والبرلمان لتهدأة الشارع وطمأنة الشعب، ولكنها سياسة لا تسمن ولا تغني من جوع، ولم ولن تؤتي أُكلها، لأنها دعوات سطحية مستعجلة لا تنم عن صدق نية وأخلاص ووفاء من الحكومة ومن جميع الكتل السياسية.

 

منذ سنوات والشعب يتظاهر محاولاً الاصلاح والتغيير وتحسين الحال، ولكن الحكومة والبرلمان والاحزاب السياسية اذن من طين وأخرى من عجين، وفسادهم يزداد يوماً بعد يوم، حتى وصل بنا الحال الى ما لا يحمد عقباه، من جراء سياستهم السيئة وفسادهم المتواصل وسرقة مال الشعب وتبديد ثرواته وطاقاته، ليعلن لنا الساسة عجز الميزانية، وأعلان حالة التقشف في البلاد، وأن كانت تقشف على الشعب فقط دون ان يمس الساسة واعضاء البرلمان والمتنفذين في الدولة.

 

الشعب يريد الامن والخدمات والسكن والصحة والتعليم والبناء والاعمار ومجتمع متعايش وبلد آمن مزدهر، وكلها مفقودة في بلدنا، ولكنها كلها متحققة للمسؤولين والسياسيين وابنائهم، لأنهم يعيشون في وادٍ والشعب في وادٍ آخر، فهل يرتجى ممن يعيش في وادي ومدن محصنة وقصور فارهة ومحاطة بالخدم والحشم، ان يشعر بحال الشعب وحاجاتهم وأن يعاني فقرهم وعوزهم وتشردهم، لا اعتقد ذلك ولا كل ذي منطق ووجدان.

 

سؤالي وحيرتي هو اننا من أين نأتي بشخص تكنوقراط، وحكومة تكنوقراط، وبرلمان تكنوقراط، والفساد يغطي جسد الدولة العراقية برمتها، من اسفل قدمهاالى اعلى رأسها، هل نستورد هؤلاء الاشخاص من الدول الاجنبية أم نجري عمليات تجميلة للفاسدين وأزالة الغدد السرطانية من عقولهم الفاسدة، أم هناك اشخاص من خارج العمل الاداري والسياسي والحكومي نأتي بهم لتنفيذ مشاريع الاصلاح وتحقيق الرفاه والاستقرار لأبناء هذا الشعب؟

 

نحن هنا امام خيارين وأرادتين يشهدها الواقع السياسي والاجتماعي العراقي، اردة الشعب، الحرة النزيهة، مطالباً بحقوقه ومحاسبة الفاسدين والسارقين لثرواته وللمال العام، وأرادة الكتل والاحزاب السياسية ذات المصحلة الشخصية المفرطة، والتي تنظر الى تحقيق مكاسبها السياسية ومغانمها من هذه الحكومة دون الالتفات الى الواقع والحال المزري للفرد والمجتمع طوال سنين مضت ولا زال.

 

ينبغي من الساسة والمسؤولين الالتفات الجاد لحقوق الشعب وثورته، وأدارة الدولة بجد وأجتهاد وحزم وقوة، وان لا تفُتح شهية قادة الاحزاب لتقديم اصلاحات على الاصلاحات ومشاريع واطروحات ترفض المشروع الاصلاحي الحكومي وتؤمن بمشاريعها ذات الافق الضيق، والا فصوت الشعب وغضبه سيهز عروش الطغاة والمتسلطين والفاسدين ولن يقف بوجهه احد. كما ينبغي ان لا تطول مسيرة الاصلاحات وزمنها ومحاولة تسويف الامور وخسران الزمن الذي نحن احوج اليه اليوم للملمة امورنا وشد جراحنا لنواجه الاخطار بصلابة ومصداقية عالية وأنقاذ البلد من ازمته ومحنه وظروفه الحالكة الخانقة.

إقرأ أيضا