من يجعلك تبصر ما لم تره فهو بلا شك، الماهر المحترف في مهنته، وكتب الرحلات تنقلك من عالم الحلم الى الواقع اذا كانت متميزة، ولقد عدت شخصيا من حلم جميل، حيث كنت في رحلة سياحية الى جبال الهمالايا في الهند بقيادة الدليل السياحي المبدع وارد بدر السالم، وكانت وسيلة النقل كتابه (الهندوس يطرقون باب السماء)، فأبصرت الحكاية كاملة دون أن أراها، ورافقنا في الرحلة ولده علي والسائق الهندي راكيش وصديقه خالد الراشد.
في اليوم الاول في الهند اختطف أحد القردة البوظة مني، ولاحظت قردا آخر يطيربأربعة أجنحة، وعندما بكيت على بوظتي، دعوني لحضور حفلة زفاف حمار وحمارة، كان زفافا جميلا، وقبل خروجنا أمطرت السماء لأن زواج الحمير في عقيدتهم يغير الطقس، وفي طريق العودة قص علينا المبدع وارد حكاية الرجل الذي أمسك قمرا ودعاه الى وليمة عشاء.
ثم لاحظت بقرة مقدسة وهي تشرب من الحنفية، ليأتي آخر فيفتح لها حنفية أخرى، وبقي الناس ينتظرونها حتى تكمل شربها ليشربوا بعدها، وعندما شعرت بالجوع أخبرني الكاتب أنه يأكل البيض (الاومليت) فقط، فهو لا يستطعم أكلهم الفائض بالتوابل، اعترضت كثيرا وقلت أنا جائعة بعد رحلة متعبة، فطلبوا من صاحب مطعم توفير طعام لي، فأخبرهم أنهم لا يأكلون اللحوم، إنما يحتفظون بدجاجة واحدة للطوارئ، خشية أن يزورهم ضيف، وأقنعوه بتقديم الدجاجة الوحيدة لي، وبعد أن تناولت طعامي خرجت أتجول معهم بين الولايات، فأصابني الغثيان من روث الابقار المنتشر في الشوارع.
كما استغربت لان قمة الجبل التي رأيتها بالأمس، قد غيرت مكانها، ثم شربت الماء من أحدهم حيث كانوا يوزعون الماء بسبب حرارة الجو، وتلك عادتهم عندما يشتد الحر، كما شاهدت جمال البنجابيات، والعمائم المزركشة، وكثرة المعابد، والطوايييس المضيئة، والجواميس التي انقلبت الى حمير، ثم التقيت بعدد كبير من الآلهة قالوا لى أنهم الى اليوم بحدود 300,000 اله، تعجبت كل هذه الالهة ولا يعانون الصداع، ولا نسمع اخبار صراعاتهم في الاخبار، وبقيت أفكر كيف هي أحزابهم إن كانوا متعددي الآلهة؟!، ترى هل للأحزاب لديهم ميليشيات؟!
وعندما تسلقنا الجبل في اليوم التالي قرب نهر بيئاس، التقطوا جميعهم غيوما ولم أستطع التقاط أي غيمة، شعرت بالغيرة، واخفيت غيرتي فتحرك تمثال الاله ديفدا لانه يكشف النوايا السيئة، فاعتذرت من رفاقي بعد اكتشافهم لجريرتي، لكنهم سامحوني عندما ذكرتهم بحال بغداد، واخذوني لاشاهد الكاتب يلعب مع الكوبرا فشعرت بالرعب كأنه أراد عقوبتي على شعوري بالغيرة، فطلبوا مني الذهاب نحو نهر الغانج للاغتسال والتطهر من هذا الذنب، فذلك نهجهم، وعندما آلمني ضرسي اجلسوني عند رجل فقلع سني على الرصيف، وقصوا هم شعورهم عند حلاقين على الرصيف المقابل، لكن السائق راكيش لم يفعل، فهو يفضل الشعر الطويل.
وفي طريق العودة للفندق سرق قرد آخر محفظتي، وصاحت ببغاء معترضة عندما سمعت اني عراقية قالت: (عووووووع)، فشتمتها، أعادت الغبية كلامي ثم ضحكت وبكت أيضا!! ولا اعرف كيف وجدتني فجأة في غرفتي ببغداد، وعلى جبهتي نقطة حمراء، الغريب أنني لم أسافر هناك قط، ولم يحدث هذا معي يوما، لكني صرت أحلم باصطياد غيمة سأجلبها ذات يوم من قمة الجبل.
شكرا لكتاب رحلة الهمالايا وللمبدع وارد بدر سالم الذي جعلني أعيش كل هذه الأحداث عبر كلماته في كتابه الهندوس يطرقون باب السماء ، الحائز على جائزة في أدب الرحلات، ولم أجد طريقة لاستعراض الكتاب سوى اصطحابكم معي بالرحلة ذاتها باستخدام وسيلته الخاصة للنقل!