لا يختلف اثنان في أن التعليم هو أساس رقي الشعوب، ووسيلة تنمية المجتمعات، ولا يختلفان أيضاً في أن التعلم سبب في ازدهار الوعي وانحسار المشكلات بكافة مستوياتها، لذلك تستثمر الدول في عقول أبنائها، وتجعل من المدارس مصانع لأجيال المستقبل، لكن سورية اليوم تواجه مافيا تهدف لضرب الدولة ومؤسساتها التعليمية والنظام السياسي برمته لتدمير مستقبل جيل بأكلمه، فسورية تخوض حرباً ضد مافيا عالمية منظمة تتآمر على الدولة السورية ونظامها التعليمي العريق.
ما يحدث من شوشرة على امتحان الثانوية العامة له قراءتان، القراءة الأولى أن أطرافاً متعددة تريد نشر الفوضى والتخلف في سورية، أما القراءة الثانية هناك أطراف متخوفة من الجهود التي تبذلها الدولة للارتقاء بالمنظومة التعليمية وتحاول التشويش عليها، ومهما قيل عن حجم التخريب الممنهج، الذي حصل في قطاع التعليم في سورية، خلال سنوات الأزمة، فإن الصورة لن تكتمل، لأن الكثيرين لا يؤمنون بمقولة، أن أحد الأهداف المهمة لتدمير سورية، هو تحقيق ما يمكن تسميته بتصحير هذا البلد ثقافياً ومعرفياً، ولكن ثمة الكثير من الحقائق والوقائع والمؤشرات، تثبت بما لا يقبل الشك، أن عملية تخريب التعليم في سورية، قد جرت وفق خطة منهجية دقيقة، وتفاصيل ما حصل ويحصل يثبت من خلال خلق فوضى في امتحان البكالوريا، ولا ننسى بأن هناك دول عربية “مصر والجزائر” قد تعرضت في نفس الوقت لهذا الموقف لتسويق وترويج نشر البلبلة والفوضى.
نحن اليوم أمام حالات جماعية من السلوكيات والممارسات الدنيئة واللاأخلاقية التي تستهدف الأفراد والمجتمع بأكمله، كما إننا أمام جرائم تتجاوز حدود العقل وتضرب أصول المنطق وتسقط من حسابها الأخلاق والمبادئ وروح المسؤولية وحب الوطن، والهدف طبعاً هو تدمير التعليم وتحطيم المجتمع، فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا من الخاسر ومن المستفيد من تسريب أسئلة التعليم الثانوي؟، إن الإجابة على ذلك بسيطة، فالكل خاسر، سواء نجحوا أو رسبوا جميعاً، أو عمت الفوضى وضعف نظام التعليم، أما المستفيد الأكبر بالتأكيد هو من دبر وخطط ومول وكّلف العملاء بالتنفيذ، ولكن للأسف إن العملاء المنفذون من داخلنا من أبناء هذا الوطن، وإذا كانت جريمة تسريب الامتحانات هي التي خرجت علينا مؤخراً، ويحاول البعض من صناع الإعلام المزيف وأدواته الوظيفية المشبوهة من صحفيين وإعلاميين التعامل معها كأنها تقصير من أجهزة الدولة ووزارة التربية فإنهم يستهدفون وبشكل مباشر الشعب السوري وأبناءه، كما يستهدفون إيجاد أجيالاً جاهلة من ناحية المعرفة والتعليم، من خلال عملية مبرمجة لنشر الجهل والتخلف في سورية.
إذا كان هذا الأمر ليس من أجل نشر المواد على مواقع التواصل الإجتماعي وبلا ثمن أو بدون مقابل، إذاً لماذا كل هذا التعب والمجازفة، هل من أجل زيادة الوعي الثقافي والفكري والاستفادة من كثرة الناجحين من الطلاب أو هي عكس ذلك تماماً؟ هنا يمكنني القول إن الهدف الحقيقي هو بناء جيل غشاش يعتمد على التزوير والغش في الحياة المستقبلية ومنع الثقة والإعتماد على النفس في الإجابة على الأسئلة، هذا الحدث هو من أخطر أنواع القتال الحديث الذي بستخدمه أعداء سورية لإنعاش وإستمرار التخلف الفكري والعلمي، وذلك إزالة شواخص سورية وبنيتها الحضرية، واستبدال العلم بهمجية التخلف والوفاء والمحبة بالبغض والكراهية، وكل كلام آخر خارج هذا الفهم لا معنى له.
إن من يفعل ذلك لا تهمه إلا مصالحه، فالمصالح تتضارب لتغتال ما بقي في المجتمعات العربية من ذرة حياء، أن تدمير أجيال الغد أخطر من نهب الثروات، وأن تدمير البنى التحتية المادية يمكن تعويضه بينما تدمير البنى الفوقية والإنسان ينذر بالخطر ويجر إلى الوصول إلى حالة الإنفلات القصوى، لذلك فإن القضاء على ظاهرة الغش في الامتحانات يتطلب وجود نظام عقابي، وينبغي محاربتها من المرحلة الأساسية وحتى المرحلة الجامعية، فمن أخطر تداعيات هذه الظاهرة أن شهادات الأنظمة التربوية في الوطن العربي ستكون بلا قيمة، وستكون مجرد شهادات محلية منزوعة الدلالة العلمية على المستوى العالمي.
لقد أثبتت التجارب الإنسانية أن العلم والتربية والثقافة هي الأدوات القادرة على مواجهة مشكلات المجتمع والتغلب عليها للوصول الى مستقبل مشرق من خلال عملية بناء نظام تعليمي قادر على مواجهة تحديات الحاضر وطموحات المستقبل، هذا مما حدا بالحكومة السورية وعلى رأسها وزارة التربية الإسهام في دعم التربية والتعليم مدركة أنهما مسؤولية مشتركة تتضافر فيها جهود الحكومة والأفراد واضعة في الإعتبار إننا نعيش عصر التطور المعرفي، والذي هو غايتنا وسبيلنا للنهوض والاستقرار والتقدم بما يخدم إنساننا ومجتمعاتنا.
مجملاً.. سنظل هنا في سورية نعقد العزم معاً على المواجهة وبقوة وعزيمة لكل من يعمل أو يحاول أن ينال من عزة سورية وعزمها، وإذا كانت سنوات الأزمة قد أصابتنا بعض الشيء إلا أن هذه المؤامرة الضخمة والجريمة المتعددة الأطراف والأشكال سوف تسقط علي رأس مدبريها وصانعيها، وسننتظر بفارغ الصبر إنقاذ التعليم في سورية، فالعقول البشرية هي الثروة التي تملكها سورية وتباهي بها العالم، والعقول يصنعها التعليم الخلاق، ويحرس ذلك معلمون سوريون لا يساومون لحظة، وفي كل الظروف، على قدسية مهنتهم ودورهم في صناعة المستقبل، وبإختصار شديد إن الوطن غني بأبنائه المؤهلين والمخلصين والقادرين على تجنيب هذا الوطن الكوارث والمنعطفات الخطرة وهذا وطننا ولسنا بحاجة إلى من يزايد أو يجعل أبناءنا وبناتنا وقوداً لأخطائه.
كاتب سياسي سوري
khaym1979@yahoo.com