بعد ان كان العراق مرجعاً سياسياً في المنطقة العربية، وطرفا شديد الفعالية في مشروعاتها السياسية والامنية، وحتى الاقتصادية، اصبح الرجل الاشد مرضاً يتلقى الاملاءات والتوجهيات من خارج الحدود، وراح قادته الجدد يبحثون عن مرجعيات تسوغ له الموت انتحاراً دون اي شعور بالحرج او الخشية من تأريخ بلد تضرب جذوره في اعماق الزمن.
ما يعصف بعراق اليوم يشجع على القول انه لم يعد هناك شك ان من يقود العراق، في هذه المرحلة من التاريخ، وجوه غير مؤهلة جاءت بها ظروف غير طبيعية، فرضتها سياسات دولية ورغبات اقليمية، هذه الحقيقة لم تعد خافية على العراقيين، وحتى غير العراقيين.
والشاهد.. ان تلك الوجوه لم تملك ما يديم وجودها في الساحة السياسية سوى اللجوء الى التعكز على اثارة النعرات الطائفية، واشاعة خطاب سياسي لئيم يستخدم مفهوم المكونات على نحو خاطئ يضمر الكثير من الشرور للناس البسطاء، وكأن الشعب العراقي هو الشعب الوحيد الذي يتكون من مكونات وطوائف ومذاهب واعراق.
ما يشدنا للحديث حول هذا الامر هو محاولات مسؤولينا الحكوميين، وغير الحكوميين، السعي لتقديم مصير العراق الى دول الجوار على طبق من ذهب دون مقابل، البعض يسعى لجعله ولاية تابعة لايران، والبعض الاخر يعاند لأجل إعادته ضيعة الى امبراطورية اردوغان.
مناسبة هذا الحديث هو موقف النائب عباس البياتي، القيادي في دولة القانون، وصاحب نظرية استنساخ المالكي، من قانون الطاقة النووية العراقية، حين وصف الصناعة النووية العراقية بانها محرمة شرعاً، وان العراق لايحتاج الى مفاعل نووي، وعلى الرغم من الخيال الفقير الذي يتمتع به مجلس النواب العراقي، حين يقدم على مناقشة مثل هذا المشروع في الوقت الذي يخلو فيه العراق حتى من الارصفة النظيفة، إلا ان السلوك يكشف عن الغاية في غالب الاحيان، وقد يكون من المناسب التذكير بتصريحات البياتي الثورية حول البرنامج النووي الايراني عندما وصفه بانه “انتصار للاسلام، ورادع للامبريالية”، وان “العراق سيكون اكثر الدول استفادة من المفاعل النووي الايراني”.
لا نعرف ان كان كلام البياتي يحمل فتوى دينية ام بلادة سياسية..
ولا نفهم معنى التحليل الشرعي في ايران والمحرم في العراق..
لكن الواضح ان البعض يمتلكون “ذيلاً ارفع من ذيل الفأر” وحين يحركونه يتكشف المستور في اقبية بعض قادة هذا الوطن.
وفي كل الاحوال.. أظن من المناسب التذكير ان تلك الوجوه لاتمثل العراقيين، ولا تعبر عن ارادتهم، على الرغم من الادعاء بانهم حماة مصالح الشيعة، والمدافعين عن حقوق السنة. إذ ليس للشيعة مصالح وليس للسنة حقوق خارج وعاء مصالح وحقوق الوطن.
ولن اتردد عن القول ان الكثير من هذه الوجوه، التي تتصدر واجهة المسؤولية في الدولة العراقية، بحاجة ماسة الى تلقي دورس في الوطنية وحب الارض التي منحتهم حليب الرضعة الاولى.