موسم الهجرة إلى الخضراء

هذا العنوان ليس سرقة أو تناصَاً مع عنوان رواية الطيب صالح “موسم الهجرة إلى الشمال”…

هذا العنوان ليس سرقة أو تناصَاً مع عنوان رواية الطيب صالح “موسم الهجرة إلى الشمال” إنما هو عنوانٌ مقتبسٌ من فرح العراقيين ــالليلة الماضيةــ فلا أظن أن العراقيين استطاعوا أن يسرقوا لحظة من الزمن ليفرحوا فيها فرحاً حقيقياً، لكن تلك الليلة ـوفي ساحة التحريرـ اختلف الجو على العراقيين، مشاعر من البهجة والعزيمة، افتقدها العراقيون كثيرا، حتى وصلوا إلى حافة اليأس، لولا تلك الجموع التي غيرت المعادلة.

 

كثيرة هي اللقطات التي يمكن أنْ تُسجل وتكون محاور للحديث ولكني سأروي ما حدث لنا في “الباص”، فقد خرجت مع مجموعة كبيرة من الأصدقاء منهم أكاديميون معنا في الجامعة، وآخرون زملاء في الإعلام، عشنا تلك الفرحة في ساحة التحرير، وكنَا مصرِين على إدامة هذا الفرح والتواصل بعزيمة لإنجاحه حتى نهايته، ليس المهم فقط ساحة التحرير، الأجمل أننا بعد أنْ أنهينا المظاهرة العفوية والمؤيدة لخطوات الإصلاح التي قام بها السيد العبادي، توجهنا إلى “ساحة النصر” ونحن ثملون بهذه اللحظات الخاطفة من عمر العراقيين، وقد تذكرت أبياتا شهيرة في الموروث العربي عالجها الجرجاني بتأول عظيم تقول:

 

ولمَا قضينا من منىً كلَ حاجةٍ     ومسَح بالأركان من هو ماسحُ

 

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا     وسالت بأعناق المطيِ الأباطحُ

 

المهم بقينا بهذا التوهج حتى صعدنا “باصا” يقلنا من “ساحة النصر” إلى “الكرادة”، كنا ثمانية أصدقاء، وصعد معنا بحدود 16 شخصاً آخرين، لا نعرفهم، ولكنهم كانوا من الشباب المتظاهرين، فأغلبهم يحملون العلم العراقي، وما إنْ تحرًك “الباص” بنا حتى انهدر علينا مسجل السيارة بأغانٍ حماسيةٍ، وإذا بركاب الباص جميعا يتحولون إلى كتلة واحدة من البهجة والفرح، حتى تحوَل شارع “الكرادة داخل” بسبب هذا الباص إلى كرنفال، فهو كلما شق طريقه في الشارع لوى أعناق السيارات قبل راكبيها باتجاهنا، وراحوا يهللون بفرح عجيب، “الباص” كان يوزع البهجة على الناس، والكل كان يتناغم معه، ومع راكبيه، إما باشارة أو بتلويحة فرح، أو تصفيق قوي، حتى أنني شاهدت أحد عمَال النظافة ــ وهو غير عراقي ــ ما إنْ شاهدنا حتى تماهى مع الباص وراح يرقص على نغمات المسجل الحماسية.

 

هذه الحادثة المبهجة صنعت فرحا افتقده العراقيون منذ زمن ولم يستطع أيُ سياسي في العراق أنْ يخرج عشرة أشخاص لدعمه ــ بقناعتهم ولمصلحتهم ــ الا هذه الليلة خرجنا لدعم قرارات الإصلاح التي اتخذها السيد العبادي، دون أنْ يكلف أحدا في الخروج،فقد كان العراقيون يخرجون ـ فقط ـ عندما يفوز المنتخب العراقي لنرى مثل هذه البهجة، أما أنْ تخرج طواعية وبفرح ولدعم قرار سياسي فهذا ما لم يحدث أبدا ـ على حد علمي ـ إلا هذه الليلة،لذلك علينا أنْ نديم هذا الزخم، وأن نستثمر هذه اللحظات لتصحيح المسار، لأنَ الخطوة القادمة ستكون مع البرلمان فإن لم يصوت على هذه الإجراءات، ستكون الهجرة إلى الخضراء، وسنكون وجها لوجه أمام البرلمان.

 

أعتقد أن للأمل شبابيك كانت مغلقةً، فُتِحَ شبَاكٌ منها، علينا أن نستثمر الهواء النظيف الهاب لننعش به رئة العراق التي تنفست دخانا اسودا،علينا في الخطوات القادمة أنْ نضغط باتجاه تعديل القانون الانتخابي، مثل تعدد الدوائر الانتخابية داخل المحافظة الواحدة لكي يكون لدينا برلمانٌ حقيقيٌ وفاعل.

 

 

عارف الساعدي: شاعر وأكاديمي عراقي

 

إقرأ أيضا