كلما اشتد الصراع في حلب زاد الحديث عن اسماء، تشكيلات، اسئلة وتفاصيل كل ما يتعلق بالقيادات الميدانية، السياسية والدينية لجميع اطراف المعركة. وعلى مدار سنتين كانت تاخذ تلك المعركة طابعها الخاص، تستقطب حولها كبار وصغار التحالفات الدولية، الكر والفر قبل مرحلة الحسم في حلب كان ينبيء بصعود وجوه تسوّق بطريقة ممنهجة. احد اهم ايقونات المعركة هو السلفي عبد الله المحيسني. فمن يكون هذا الرجل؟ ولماذا ظهر فجأة قياديا شرعيا وميدانيا في سوريا واخذ مكانة الكثير ممن عرفوا بارتباطهم بالازمة السورية من سلفيي الخليج؟
المحيسني داعية متطرف سعودي في الثلاثينات من عمره ينتمي لعائلة سلفية معروفة بالتطرف وينحدر من مدينة “القصيم” اكثر مدن السعودية التصاقا بالمذهب الوهابي. اسمه الكامل “عبدالله بن محمد بن سليمان المحيسني”، يحمل شهادات عليا في الشريعة الاسلامية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
بعد ان صقل مواهبه عند بعض مشايخ التطرف والسلفية ظهر في اكثر من مناسبة بعدة وسائل اعلام خليجية وعبر وسائط التواصل الاجتماعي محرضا على القتال في سوريا، دأب على التحريض من خلال تجييش العواطف وذرف الدموع. ثم فجأة ذهب الى سوريا بنفسه حيث وصل الى هناك في تشرين الاول عام 2013.
وبحسب ما يذكر المحيسني من خلال خطبه واحاديثه الكثيرة المنشورة بالصوت والصورة في شبكة الانترنت فانه قصد سوريا بهدف تحقيق رغبته وهي “حل الخلافات بين تنظيم الدولة، والفصائل الأخرى”. قبل ان ينقلب عليهم كان المحيسني من المعجبين جدا بتنظيم داعش او كما يعبر عنه هو “الدولة” ويقصد “الدولة الاسلامية في العراق والشام” وهي التسمية التي يطلقها تنظيم داعش على نفسه. لكنه يستدرك لاحقا في احد احاديثه “كنت أقول إنها مظلومة حينما يهاجمها البعض، ولكن ليس من رأى كمن سمع”. يذكر ايضا انه بعد وصوله الى بلاد الشام طلب مقابلة ابو بكر البغدادي لكنه رفض وقيل له ان المسؤول عن شؤون التنظيم في بلاد الشام هو “ابو علي الانباري”. يظهر المحيسني في اكثر من مادة مصورة من امام ركام اهداف فجرها تنظيم داعش، كان يذم ذلك، لكنه بنفس الوقت يذكر انه تواصل مع امراء التنظيم ليذكر لهم بانهم استهدفوا الابرياء! وبعد ان يئس من جمع بقية الفصائل مع داعش علن العداء لتنظيم داعش ووصفهم بـ”الخوارج”.
المحيسني شارك بالعديد من المواجهات في سوريا، اخذت مختلف وسائل الاعلام وخصوصا المنحازة للفصائل المسلحة والاسلامية المتشددة التواصل معه، وفرت له منبرا ونافذة اعلامية كبيرة لكي يواصل التحريض ضد “الشيعة” “روسيا” “النظام النصيري” اي نظام بشار الاسد واطراف اخرى، اضافة لذلك كان يحث التجار واصحاب الاموال على التبرع بقيمة الاسلحة، في احدى المقاطع التي بثها كان يذكر اسماء المتبرعين اثناء اطلاق رشقة من الصواريخ على مناطق يسيطر عليها النظام السوري. ناهيك عن عمليات غسيل الدماغ التي يقوم بها بهدف دعوة المسلمين للقتال في سوريا. المحيسني رجل مفوّه ويجيد تجييش العواطف انه متمكن جدا من ذلك. ولذلك يحرص على التواصل معه اصدقاء الجماعات الاسلامية المسلحة.
تعرّض المحيسني للاصابة المباشرة اكثر من مرة، وبعض تلك الاصابات موثقا حيث قصف اثناء القائه خطبة امام جمع من المسلحين، لكنه في كل مرة كان يعود بعد فترة شفائه.
المحيسني مثير للشكوك وبعض التقارير الصحفية الغربية ربطت بينه وبين جهد امني سعودي، خصوصا وان المحيسني يمتلك سيلا هائلا من الاموال، ويتحرك بثقة كبيرة، يجد الكثير من التسهيلات امامه حيثما حل وكانه ايقونة من ايقونات التنظيمات المسلحة في سوريا خصوصا في حلب.
المحيسني مرة يقدم نفسه هناك على انه مسؤول المحكمة الشرعية في جبهة النصرة، ومرة المنسق بين جميع الفصائل ومرة داعية يرعى الجميع استمر على ذلك المنوال قرابة السنتين. ثم بعد ان يئس من جمع الفصائل المسلحة مع تنظيم داعش وحاول تقليل سقف الطموح، ليكون الهدف هو جمع اكبر قدر ممكن من الفصائل المسلحة، وكان جزءا من تسهيل المهمة هو تغيير مسمى جبهة النصرة بقيادة زعیمها أبو محمد الجولاني، الى “جبهة فتح الشام” وهذا ما حصل صيف العام 2016. ونتج عن ذلك توحيد العديد من الفصائل تحت راية واحدة واتخذ من حلب منطلقا لكسب ثمار تلك الجهود التي يقوم بها المحيسني. ذلك التوحيد لشتات المسلحين ولو لفترة محدودة اثمر عن انطلاق معركة حلب الكبرى التي كانت تهدف الى فك الحصار عن القسم الشرقي من حلب وهو القسم الذي يحاصره النظام وحلفاؤه. وقد استطاعت تلك القوات فتح بعض الثغرات لعدة ايام قبل ان تستعيد المبادرة قوات النظام السوري وتسيطر على الاوضاع فتعود الفصائل المسلحة الى شتاتها من جديد.
المحيسني فعل المستحيل من اجل يعتقد بانه تصحيح المسار من جديد لكنه فشل، وما ساهم بذلك الفشل هو متغيرات الولائلات بين قيادات الفصائل نفسها لهذا الطرف الاقليمي او الدولي او ذاك، الولاءات تتغير بتغير المصالح. اضف لذلك ايضا التفاهمات التركية الروسية حول بعض عقد الملف السوري كان لها دور كبير ايضا في تشتيت ذلك التحالف العسكري الكبير. تركيا لازالت تمسك بخيوط المعارضة السورية لكنه اضطرت للتنازل عن بعض المكاسب ثمنا لرضا موسكو خصوصا بعد مرحلة الانقلاب وانهيار الاوضاع الاقتصادية والامنية في تركيا.
اليوم وبعد ان سيطر النظام السوري على كامل حلب، اختفى المحيسني عن المشهد وبدى وكانه قد اعلن عن فشله بنهاية المطاف في تحقيق مكسب كبير كانت السعوديون يرغبون بتحقيقه في سوريا عبر شخصية مثيرة للجدل مثل المحيسني.