يبدو أن غبار المعارك في الأنبار انسحب على الأخبار الواردة من هناك، ففي الوقت الذي حصلت “العالم الجديد” على تفاصيل ميدانية عن وجود وأداء “سرايا السلام” الجناح المسلح للتيار الصدري في المحافظة اثر دخولها باتفاق بين زعيم التيار وجهات مسؤولة وعشائرية محلية في إطار تنسيق جهود محاربة (داعش)، تلقت معلومات بانسحاب “السرايا” احتجاجا على مجيء “مستشاريين أميركيين”، لتدريب متطوعين في المحافظة.
وكانت 3 أفواج من الفرقة الأولى والثانية و”لواء اليوم الموعود” (سرايا السلام) بقوام 2000 مقاتل ذهبت إلى الانبار الأربعاء الماضي، بعد أن طلبت عشيرة البو نمر من الحكومة والفصائل المسلحة إعانتها في مقاتلة (داعش) وإيقاف المجازر التي تعرض لها المئات من أبناء القبيلة على أيدي إرهابيي التنظيم.
وبموازاة هذه الجهود المشتركة قررت الحكومة المحلية في الأنبار تدريب المئات من العشائر وإعدادهم للانخراط في قتال (داعش) على أيدي مدربين أميركيين وصلوا المحافظة في وقت سابق.
ويجري تجهيز مقاتلي العشائر في قاعدة الأسد ومقرها ناحية البغدادي المحاصرة.
وزار سليم الجبوري، رئيس مجلس النواب، القاعدة، أمس الثلاثاء.
وعبّر الشيخ مصلح الدليمي، أحد وجهاء المنطقة الغربية في الأنبار، عن سعادته بزيارة الجبوري ووصول المستشارين الأميركيين معا. وقال الدليمي، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “زيارة رئيس البرلمان واطلاعه على ما يجري عن قرب يبين الاهتمام الرسمي البالغ بعشائر المحافظة، وهو ما تحتاجه العشائر في مواجهة التحديات المحيطة”.
وقال مصدر في حكومة الأنبار، لـ”العالم الجديد”، إن “الجبوري وصل برفقة عدد من القادة الأمنيين للإشراف على دورة تدريب أبناء العشائر بإشراف الأميركيين”.
وذكر المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إن “زيارة رئيس البرلمان كانت أيضا للإشراف على تسليح عشائر المحافظة المعادية لـ(داعش) بهدف مواجهته”.
وأفاد المصدر بأن “50 عسكريا من مشاة البحرية الأميركية وصلوا قبيل زيارة الجبوري مدعومين بطائرات أباتشي وبلاك هوك”. ولفت إلى أن “هؤلاء سيشرفون بشكل خاص على تدريب 400 عنصر من أبناء العشائر”، كاشفا عن “وصول 230 عسكريا أميركيا آخرين في الأيام المقبلة”.
مصادر محلية تحدثت لـ”العالم الجديد” عن تسبب وصول الأميركيين إلى الأنبار بإثارة حفيظة زعيم التيار الصدري، الذي يرفض، دائما، التدخل العسكري الأجنبي في العراق، ولا يتوانى عن وصف (داعش) بأنه من “صنع واشنطن”.
وكانت حكومة الأنبار طلبت من الصدر، في أثناء لقاء جمعهما في محافظة النجف منتصف شهر تشرين الاول الماضي، السماح بدخول قوات أميركية برية إلى المحافظة، لكنه أبدى رفضا قاطعا لدخولهم، فيما أظهر استعداده لتقاسم السلاح الذي يمتلكه مع عشائر الأنبار بدل الاستعانة بواشنطن.
وأكدت مصادر محليّة في الأنبار، أن “الصدر أمر بسحب سرايا السلام من المحافظة بعد تدخّل الأميركيين”.
لكن، في المقابل، فان قياديا ميدانيا في “سرايا السلام”، أبلغ “العالم الجديد” أمس، بأن السرايا ترابط في الأنبار.
وقال القيادي “منذ أيام نقاتل في مناطق البونمر، ومهمتنا الأساسية حاليا قطع الطريق الاستراتيجي بين بيجي وحديثة من أجل منع الامدادات عن الدواعش”.
وتابع “نرابط شمال بيجي، ونتحرك بحذر من أجل عدم استفزاز ساكني مناطق بيجي والصينية والثرثار والبونمر وحديثة أولا، وثانيا لأن إمساك تلك المناطق الواقعة على خط واحد تقريبا يعني السيطرة على نقاط استراتيجية جدا في الحسابات الميدانية”.
وتتكون “سرايا السلام” من 3 فرق عسكرية، تضم الأولى حوالي 5 آلاف مقاتل، والثانية ما يقارب 3500 مقاتل، أما الثالثة فما زالت في طور التشكيل، لكن تعدادها لا يقل عن بضعة آلاف أيضا، إلى جانب “لواء اليوم الموعود” وهو تشكيل عسكري تم انتخاب عناصره بعناية من بين مقاتلي “جيش المهدي”، وقد استثني من “قرار التجميد” الذي أصدره الصدر العام 2007.
وأعلن عن تشكيل “سرايا السلام” الصيف الماضي، وكان الهدف المعلن من ذلك حماية “المراقد المقدسة”، ولهذا نشطت في محيط مدينة سامراء، وكذلك شمال بابل لدرء الخطر عن مدينتي النجف وكربلاء.
وعلى خلاف الترحيب الذي حظيت به “سرايا السلام” في الانبار من طرف قبيلة البونمر التي “نختها”، فان اتحاد القوى العراقية دعا، الجمعة الماضي، التيار الصدري إلى سحب جميع مقاتليه من الأنبار بشكل كامل، تلافيا لأي احتكاكات طائفية.
وأدت المجازر التي طالت “البونمر” إلى سريان حالة نفور من (داعش) بين عشائر “الغربية”، الأمر الذي دفع العديد منها للاصطفاف مع القوّات الحكومية، وأعطى محفّزاً للحكومة المحلية إلى التحرّك بشكل واسع لاستعادة المناطق من التنظيم المتطرف.
وكشف صباح كرحوت، رئيس مجلس محافظة الأنبار، عن “مشروع لإنقاذ المحافظة يضم جميع مكونات الأنبار العشائرية والأمنية والعسكرية عبر الاتفاق على تشكيل غرفة عمليات مشتركة تضم ضباطا في الجيش السابق للافادة من خبراتهم الطويلة من أجل وضع رؤية استراتيجية لإنقاذ المحافظة”.
وقال كرحوت، في حديث لـ”العالم الجديد” أمس، إن “المشروع يتضمن أن تتبرأ عشائر المحافظة ممن انضموا إلى تنظيم داعش من أبناء عشائر الأنبار وأن تتعاون العشائر في مطاردتهم وتسليمهم للقوات الأمنية وتفعيل وثيقة العهد الوطني وإصدار عفو عام عن كل من لم تتلطخ أيديهم بدماء العراقيين والإسراع بتشكيل الحرس الوطني من أبناء المحافظة من الضباط السابقين من ذوي الخبرة والكفاءة والمهنية، وبضمنهم المشمولون بقانون المساءلة والعدالة لحل المشاكل المتراكمة والعالقة منذ بداية احتلال العراق”.
وأردف “سيتم تشكيل لجنة مشتركة ضمن هذا المشروع تضم مجلس محافظة الأنبار والقيادات الأمنية وقيادة الشرطة وعلماء الدين وشيوخ العشائر وبرلمانيي المحافظة للاتفاق بشأن وضع الأسس الصحيحة للخروج بالمحافظة بشكل كامل من هذه الأزمة”.