عندما نستعرض العلاقات المصرية الإيرانية نجد أنها مرت بأنماط مختلفة بين التوتر والتحسن، وعندما نحصر دائرة البحث عن نمط العلاقة المصرية الإيرانية منذ ثورة 30 يونيو المصرية فإن هذا النمط نجد له مصداقية وحقيقة، فقد تميزت العلاقات بين الدولتين منذ ذلك الوقت بالود والتعاون، وبالتالي فإن هناك عوامل متعددة تفاعلت مع بعضها البعض ساهمت في سياسة التقارب بينهما، فالمشاركة الإيجابية لهما في حل الأزمة الخطيرة في العالم العربي، وخصوصاً سورية تشكل بداية لعلاقات أفضل على أساس التفاهم المتبادل بينهما.
تشير جميع المؤشرات والدلالات إلی أن النظام المصري برئاسة السيسي، يحاول الإقتراب من طهران لإعادة العلاقات السياسية معها، بعد أن قطعت إثر توقيع معاهدة السلام مع الكيان الإسرائيلي، لكن علی ما يبدو فان الجهود التي يبذلها السيسي لإعادة علاقات بلاده مع إيران، عادة ما تصطدم بمعوقات مختلفة، فالذي يحدث اليوم من أزمات لم يأت بمحض الصدفة، بل بعد تخطيط إستراتيجي لبعض الدول التي تنادي بالفوضى والتقسيم وذلك لضمان إستقرارهم في المنطقة، إذ تعتبر إيران ومصر العائق ضد تحقيق خارطة الشرق الأوسط الجديد، لذلك لعبت هذه القوى دوراً محورياً في تعزيز حالة القطيعة والجفاء بين القاهرة وطهران حفاظاً على نمط التفاعلات والتوازنات الإقليمية الراهنة الذي يضمن لها حماية مصالحهما الإستراتيجية في المنطقة، فهي تعرف جيداً أن هذا التقارب يصنع قوة كبيرة داخل المنطقة وإن أي تطور في العلاقات المصرية الإيرانية نحو تفاهم إستراتيجي من شأنه أن يخل بإستراتيجيتها في التعاطي مع البلدين أو حيال المنطقة برمتها.
لا شك أن الشعبين المصري والإيراني ومنذ فترة طويلة تمنّيا إعادة العلاقات بين البلدين، فقد بادرت إيران بكثير من الجهود للتوصل الی حل ينهي المشاكل السياسية بين البلدين، كما ألغت تأشيرات الدخول الی أراضيها لمواطني سبعة دول من بينها مصر، إذ أصبح بإمكان المصريين دخول الأراضي الإيرانية للسياحة والتجارة دون الحاجة لتاشيرات دخول، وبذلك يری العديد من المحللين إنه بإمكان مصر استقطاب أموال هائلة في حال سمحت للسياح الإيرانيين بدخول أراضيها، فضلاً عن أن ذلك سيمكن الكثير من رجال الأعمال الإيرانيين من الاستثمار في المشاريع المصرية خاصة في مشاريع قناة السويس، وفي السياق ذاته تحتاج مصر الی مئات المليارات من الدولارات لتنمية اقتصادها ومواجهة الفقر والبطالة والأزمة الاقتصادية في البلاد، ولا يمكن للمساعدات التي تحصل علیها من الدول العربية خاصة الخليجية أن تحقق نهضة شاملة في الاقتصاد المصري الذي يعاني من اضطرابات مختلفة، ولهذا فان مصر تحتاج الی العمل الإقتصادي مع إيران التي تمتلك احتیاطيات هائلة في مجال الطاقة خاصة في مجال النفط والغاز، وبذلك قد تكون مصر خلال المرحلة القادمة وفى حالة تفعيل العلاقات بين البلدين مرشحة لأن تكون رئة إقتصادية جديدة تتنفس عبرها إيران.
في سياق متصل، إن المصلحة العليا لمصر في المنطقة العربية تقتضي عودة العلاقات المصرية الإيرانية من جديد، لأن كلا الطرفين يلعبان دوراً مؤثراً في المنطقة، واليوم تستعد طهران والقاهرة للعب دور بارز في الأزمة السورية إذ يقومان بالتنسيق مع أطياف المعارضة السورية في محاولة لتقريب المواقف مع دمشق، ولهما مواقف واضحة ومتقاربة فيما يخص الأزمة السورية ومحاربة الإرهاب من خلال العمل على تعزيز الحل السياسي في سورية، ويزدادان قناعة به خاصة بعد إزدياد مخاطر التنظيمات الإرهابية والقوى المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط والتدخلات الخارجية الكبيرة في سورية، وبالنظر إلى أن معظم الدول الغربية تسعى إلى إسقاط النظام السوري يبدو موقف السيسي داعماً لموقف طهران المؤمن بالحل السياسي والحفاظ على وحدة وسلامة التراب السوري وشعبه، وفي إطار ذلك هناك فرص تقارب بين كل من القاهرة وطهران على خلفية مواقفهما المتشابهة بخصوص الملف السوري، وبالتالي قد تكون الأزمة السورية نقطة التقاء جديدة بينهما وتكون دمشق بمثابة الجسر الذي يربط مصر وإيران، وبناءً علی هذا يصبح بإمكان مصر وإيران العمل علی تطوير العلاقات بينهما في الكثير من المجالات خاصة في مجال محاربة الإرهاب الذي تعاني منه مصر في منطقة سيناء.
اليوم وعلى الرغم مما بين القاهرة وطهران من تنسيق عالٍ وتفاهم إلا أن الظرف الراهن يستدعي أكثر مما هو موجود بغية إعادة صياغة معادلة العمل المشترك وإجهاض معادلة العمل الإسرائيلي لفرض شروطها على الجميع ومد تحالفاتها الدولية والإقليمية لخنق مصر وفرض العزلة عليها ولضرب إيران وسورية وتصفية قدراتهما، بالتالي لا شك أن إعادة العلاقات السياسية بين مصر وإيران سيكون لها أثر ايجابي بالغ علی العالم الإسلامي والمنطقة بأكملها، فضلاً عن أثره المباشر علی شعبي كلا البلدين .
مجملاً.. إن التقارب بين الدول الثلاث “مصر- إيران – سورية” سوف يحدث خللا في الإستراتيجية الغربية التي كانت تسعى منذ بدء الأزمة السورية لإسقاط النظام السوري لكنها اليوم سوف تقف مع هذه الدول للقضاء على تنظيم داعش والتراجع عن إستراتيجيتها السابقة، كما سيخدم أمن منطقة الشرق الأوسط ككل للثقل الكبير الذي تمثله إيران ومصر وسورية، وبالتالي فأي توحيد لجهود هذه الدول سيتيح إمكانيات أكبر للقضاء على التهديدات الإرهابية وبث روح الإستقرار في المنطقة التي تعيش مخاضاً عسيراً، وباختصار شديد يمكن القول إن التقارب الإيراني من مصر يعكس الرغبة في التوصل الى تفاهمات إقليمية جوهرية حول القضايا الخلافية بين البلدين، ولا نستغرب أن تمتد هذه التفاهمات الى الملفات الأخرى الشائكة، وبالتالي فإن هذه المفاجآة ” عودة العلاقات المصرية الإيرانية الى مسارها الطبيعي” ستحدث حالة من الإرتباك في إجتماعات منظومة أعداء سورية وربما تصيب المعارضة السورية والمجموعات المسلحة بحالة من الإحباط من النوع الثقيل، فضلاً عن قلق إسرائيلي من هذا التقارب الذي سيؤثر بشكل سلبي على سياستها في المنطقة.
الدكتور خيام الزعبي: عضو بمنتدى القانون الدولي بجامعة القاهرة
Khaym1979@yahoo.com