صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

هل ستهتم وزارة النفط بحل الاشكالات المرافقة للانتاج والتسويق؟

في بدايات القرن التاسع عشر بدأ الاهتمام بالنفط العراقي من حيث تواجده وحجمه ومناطق أحواضه…

في بدايات القرن التاسع عشر بدأ الاهتمام بالنفط العراقي من حيث تواجده وحجمه ومناطق أحواضه بالتحديد، وكان الاهتمام بشكل واضح وجدي من قبل الشركات الغربية التي يعمل بعضها في العراق آنذاك، وهي من الجنسيات الألمانية والبريطانية والهولندية والأمريكية، إضافة الى التركية.

 

لقد بدأت الصراعات بين هذه الشركات فيما بينها من جهة، وبينها والحكومات العراقية المتوالية، خاصة بعد ان بينت الاستكشافات غزارة وضخامة احتياطي النفط في العراق وسهولة عملية استخراجه لقرب الخزين من سطح الأرض اضافة الى موقع العراق الجغرافي الجيد في قلب العالم المطل على الخليج العربي والقريب على معظم الممرات البحرية الدولية.

 

وبعد سقوط الدولة العثمانية عملت هذه الشركات ائتلافا فيما بينها (1) سمّي بشركة البترول التركية، وبعدها سميت شركة نفط العراق، وبذلك أصبح الشعب العراقي صاحب المصلحة الحقيقية بثرواته النفطية وجها لوجه مع الشركات الاحتكارية الاجنبية. إلا ان الحكومة الملكية آنذاك وقفت الى جانب الشركات الاحتكارية، ما كلف الشعب العراقي التضحيات الجسام بالأرواح والأموال.

 

وفي العهد الجمهوري، بعد ثورة تموز، أصدرت الحكومة العراقية القانون رقم 80 الذي حدد عمل الشركات البريطانية في حدود الآبار النفطية العاملة آنذاك، وهو تأميم حقيقي لثروة العراق النفطية، ما حدا بالشركات الى تهديد الحكومة العراقية ومناقشة الأمر مع الزعيم عبد الكريم قاسم، ولما رفض الزعيم مناقشة الموضوع؛ أخبرته بما معناه ان انكلترا ستعمل على إيجاد حكومة عراقية أخرى تتفاهم مع بريطانيا العظمى!

 

وفي العهد الصدامي – فترة السبعينيات كانت هناك فسحة جدية من البناء والاعمار وانحسار مشكلة البطالة والإفادة من الموارد النفطية، وسرعان ما  قابلها النظام بالدخول في حروب متوالية مع دول الجوار، حتى خيم التردي الاقتصادي على البلد، وفرضت الأمم المتحدة الحصار الاقتصادي عليه، وأقرت معاهدة النفط مقابل الغذاء التي أجاعت الشعب العراقي وأغنت رأس النظام الذي سخر عملية النفط مقابل الغذاء الى سوق تجارية تمد بقاء نظامه، فاتسع نطاق تهريب النفط، كما انتشرت السوق السوداء داخل البلد وخارجه. ولب المشكلة ان صدام اعتبر العراق ملكا خاصا له ولعائلته وأنصاره فانتقل العراق من دولة مترفة مرفهة الى دولة فقيرة ذات اقتصاد مهلهل، لا بل اختصر العراق بشخصه وقد نال جزاءه.

 

وبعد التغيير عام 2003، استبشر العراقيون بالخلاص من الحكم الدكتاتوري وانهم سينعمون بنظام ديمقراطي وبعدالة اجتماعية تخفف عنهم وطأة السنين العجاف ليرغدوا بسنين سمان وعدل واعمار ورفاهية وخدمات وأمن، ولكنهم بعد ان صحوا من نومهم وجدوا بلدا خاويا، وأن التغيير لم يشمل نظام الحكم، وإنما طال التهديم كامل الدولة العراقية وبناها التحتية، حيث لا ماء ولا كهرباء، والدوائر والمدارس والجامعات والمستشفيات خالية من كل مستلزماتها، وقطاع النقل دون وسائط، فالمطار بلا طائرات، والمدن بلا سيارات وعربات، والمصانع بلا مكائن وآلات. وعلى الرغم من ذلك تعشموا بساستهم الذين ناضلوا في سبيلهم ومن أجل راحتهم.. تعشموا بهم خيرا فمرت الأيام وعبرت السنون ولا شيء سوى القتل والدمار والفساد الذي نخر كل مفاصل الدولة حتى أصبح سارق المال العام مديرا عاما ووكيلا او وزيرا وحتى نائبا شرعيا في تمثيله للشعب.

unnamed

 

أما النفط، بعد أن كان كان تهريبه بحماية ورعاية شخص واحد هو رأس النظام السابق، فهناك اليوم عشرات من يرعون تهريبه برعاية وحماية المليشيات المسلحة ورؤوس الحكومات المحلية في الشمال والجنوب والوسط. ويقول أحد المهربين (2) نحن نستخدم نفس طرق التهريب أيام صدام، فبدلا من البعثيين المسؤولين عن التهريب أصبحت، الآن، المليشيات والموالون لها هم الذين يتولون هذه العملية. وآخر يقول ان الدوريات العراقية والإيرانية يمكن رشوتها بسهولة، لكن الدوريات البريطانية أصعب بكثير، وان أسهل طريقة للسرقة والتهريب هي التي تحصل من الداخل، حيث يتم شحن كمية أكثر من المطلوبة، خاصة وان الكثير من العدادات غير صالحة، وقد أرسلت للتصليح لشركات أجنبية ولم تعاد، ولو راجعنا تقرير الشفافية الثاني للسيد المفش العام لوزارة النفط لتأكدت صحة المعلومات، إذ ذكر في الأسباب الرئيسية والعوامل المساعدة على التهريب:

 

1 الفرق الكبير بين أسعار المنتجات النفطية بين العراق والدول المجاورة.

2 ضعف الضبط والسيطرة على حركة المنتجات النفطية وتداولها بسبب:

ضعف منظومة القياس والعد والمطابقات.

ضعف السيطرة على الحدود والمنافذ البرية والبحرية.

الخلل في هيكلية وإدارة القطاع التوزيعي.

غياب الخطط والسياسات التوزيعية والتجهيزية.

 

3 تراخي الإجراات القانونية بحق المخالفين والمتجاوزين.

4 زيادة الاعتماد على المنتجات المستوردة بسبب:

عدم كفاية إنتاج المصافي العراقية لسد الحاجة المحلية… الخ.

عدم تحقق الخطة الاستثمارية لزيادة قدرات التصفية والتكرير والنقل.

زيادة الاستهلاك المحلي.

5 عمليات التخريب والتعرض للمواقع النفطية وشبكة خطوط النفط.

 

والخلاصة التي أود ان أركز فيها الآن، مع الأسف الكبير، هي أن أكثر من عشر سنوات مرت ولم يستطع النظام العراقي الديمقراطي الجديد، وسلطتنا التشريعية الشامخة عددا وعدة، رواتبا ومخخصات، منحا وحمايات، نعم لم يستطيع البرلمان العراقي تشريع قوانين البنى التحتية والنفط والغاز الذي طال انتظاره والذي ألحقت مسودته بالملاحق السياسية البعيدة عن النظرة الاقتصادية، حسب رأي الاقتصادي العراقي فؤاد الأمير، مما أبعد المسودة عن النصوص الدستورية. كما تساءل الخبير الأمير عن سبب الإصرار على عقود المشاركة التي تعني العودة الى أساليب الأربعينات والخمسينات يوم تطلق يد الشركات  في البحث والتنقيب واستملاك جزء من الثروة على حد قوله، وهذا يعني المساس في سيادة العراق، على عكس عقود الخدمة حيث يدفع للشركات ما تستحقه من مبالغ متفق عليها مقدما مقابل خدماتها.

 

هامش

(1) النبذة التأريخية مأخوذ بعضها بايجاز من دراسة عبود كريم عباس، المتخصص في تصنيع وتحوير ناقلات النفط المقدمة إلى مؤتمر لندن حول النفط العراقي، 2005.

(2) زهير الدجيلي، القبس، 07 / 12 / 2007، دراسة مبسطة بعنوان علاقة الجماعات بالمافيا والسرقة.

 

إقرأ أيضا