وجود روسيا الموسّع في سوريا قد ينطوي على مخاطر كبيرة

في تموز يوليو 1972، أمر الرئيس المصري أنور السادات القوات السوفياتية بالانسحاب من مصر، مشيراً…

في تموز يوليو 1972، أمر الرئيس المصري أنور السادات القوات السوفياتية بالانسحاب من مصر، مشيراً بذلك إلى نهاية تدخل موسكو العسكري الخطير في المنطقة. والآن، وبعد مرور 43 عاماً، تعود القوات الروسية [إلى الشرق الأوسط].

 

وقد أفادت صحيفة «نيويورك تايمز»، أنه “وفقاً لمحللي الاستخبارات الأمريكيين، أرسلت روسيا فريقاً عسكرياً متقدّماً إلى سوريا ونقلت وحدات سكنية جاهزة لمئات من الناس إلى مطارٍ بالقرب من اللاذقية”.

 

وتضيف الـ «تايمز» أن “روسيا سلّمت أيضاً محطةً محمولة لمراقبة الحركة الجوية إلى المطار وقدّمت طلبات للتحليق العسكري حتى شهر أيلول/سبتمبر”. وتأتي هذه التقارير في أعقاب ادعاءات مماثلة في الأسابيع الأخيرة، من بينها تقارير عن أسلحة جديدة، وحتى قوات قتالية. وقد قال مسؤولون عسكريون أمريكيون يوم الثلاثاء أنّ موسكو نقلت طاقماً جديداً من العسكريين بالإضافة إلى طائرات ومعدات جديدة إلى سوريا في الأيام الأخيرة.

 

إن انخراط موسكو المكثف في النزاع في سوريا ليس بالأمر الجديد. فالروابط الروسية العسكرية مع نظام الأسد تعود لعدة سنوات مضت، قام خلالها الاتحاد السوفياتي، ثم روسيا، بتشغيل قاعدةً بحرية في طرطوس لفترة طويلة، كما زوّدت موسكو الأسد بما وصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً بكميات “كبيرة” من المعدات العسكرية والتدريب العسكري اللازم لمتابعة الحرب الأهلية في البلاد.

 

كذلك، تضطلع موسكو بدورٍ دبلوماسي بارز في النزاع السوري، فهي تحمي نظام الأسد من الضغوط التي تُمارس عليه عبر استعمال حقّ النقض (“الفيتو”) ضد عددٍ من قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن الصراع. وفي الآونة الأخيرة، أصبحت موسكو همزة وصلٍ في النشاط الدبلوماسي الرامي إلى إنهاء القتال، وقد استضافت أيضاً محفلاً من المسؤولين الغربيين والشرق أوسطيين بمن فيهم كل من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والجنرال الإيراني قاسم سليماني، فضلاً عن جولتين من المباحثات المتعددة الأطراف.

 

ويبدو أن الهدف المباشر للسياسة الروسية واضحاً وهو: حماية نظام الأسد، الذي كان على مدى عقودٍ حليفاً لموسكو، وأصبح في السنوات الأخيرة واحداً من آخر القنوات المتبقية لروسيا [لممارسة نفوذها] في الشرق الأوسط. وقد انتقد بوتين النظام السوري، واعترف بأنّ هناك حاجة إلى “عملية تغيير سياسي”، لكنّه أصرّ على رفض سحب دعمه للأسد أو الإشارة إلى أنه يجب أن يتم استبداله كجزء من أي عملية انتقال سياسي. وتسمح الأسلحة والذخائر وقطع الغيار الروسية لآلة الحرب الأسدية بالاستمرار في صبّ نار حممها.

 

وتواجه معاقل النظام السوري ضغوطاً متزايدة في الأشهر الأخيرة من قبل قوات الثوار، وهو ما ساهم على الأرجح ببلورة قرار موسكو بتكثيف دعمها. وفيما يتعدّى أيّ تأثيرٍ عسكري مباشر، قد تمثّل الخطوات الروسية إشارة للثوار، وداعميهم الأجانب، إلى عمق التزام موسكو بدعم النظام، مما يُضعف بالتالي من أملهم في تحقيق نصرٍ عسكري ويحفّزهم أكثر وأكثر على القبول بحلّ يستند إلى شروطٍ مفضلة لروسيا والرئيس الأسد.

 

وقد أكد الرئيس بوتين أن المساعدات الروسية إلى سوريا هي جزء من محاولة لمحاربة “التطرف والإرهاب”. ولا شك في أنّ الحافز وراء مساعدة روسيا لنظام الأسد قد اشتدّ مع ظهور الحركات الجهادية في صفوف المعارضة السورية. وتجدر الإشارة إلى أنّ المساعدات الروسية إلى دمشق سبقت بروز تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/ «الدولة الإسلامية» أو «جبهة النصرة»، وتضع موسكو على طرفَي نقيض ليس فقط مع الإسلاميين بل مع المعارضة السورية برمّتها أيضاً. وفي الواقع أنّ النظام السوري، وبدعم من روسيا، استهدف المدنيين دون تمييز، ملحِقاً بالشعب السوري خسائر بشرية هائلة ومؤجّجاً على الأرجح نار الحركة الجهادية المتنامية بدلاً من إخمادها.

 

ومع ذلك، فلهذه المناورة الروسية أهداف أوسع على الأرجح. فانخراط القوات الروسية إلى جانب النظام قد يعقّد أيّ عملٍ عسكري أمريكي ضدّ الأسد، بما في ذلك فرض منطقة حظر جوي. وكما هو الحال في صفقة البيع الوشيكة لنظام الدفاع الجوي المكوّن من صواريخ “أس-300” المتطوّرة إلى إيران، تضطلع هذه الخطوة الروسية بتأثير لا يتمثّل بتعزيز النفوذ الروسي فحسب، بل بالحدّ من خيارات الولايات المتحدة ونفوذها أيضاً في وقتٍ قد تعتبر فيه موسكو أنّه من غير المرجح أن تردّ واشنطن بشكل حاد.

 

وأخيراً، من شأن التدخل العسكري الروسي المباشر أن يتّسق مع النمط السلوكي الانتقامي الذي انتهجته موسكو في الآونة الأخيرة على الصعيد العالمي. وقد تحدّث السيد بوتين عن استعادة مجد روسيا الغابر ووفى بوعده بتحقيق تأملاته في جورجيا وشبه جزيرة القرم وأوكرانيا، فضلاً عن اعتماد سلاحي الجو والبحرية الروسية سلوكاً عدوانياً على نحو متزايد في جميع أنحاء العالم. وهو الأمر بالنسبة لتعزيز الانخراط في الشرق الأوسط، حيث أن هذا التدخلّ قد يحاكي ماضي روسيا أيضاً.

 

وأياً يكن دافع موسكو، فإذا تم توسيع نطاق التدخل العسكري الروسي في سوريا، من المرجّح أن يكون ذلك بمثابة اقتراح يعود بالخسارة على الولايات المتحدة وروسيا. فبالنسبة لواشنطن، يعقّد هذا الانخراط إلى حد كبير أيّ ضغطٍ عسكري كانت الولايات المتحدة تنظر في فرضه على النظام السوري، ويمنح الأسد ثقةً متجددة من شأنها أن تجعل أيّ تسوية دبلوماسية – مقبولة لدى الولايات المتحدة والمعارضة السورية – أبعد منالاً. وفي الوقت نفسه، سترزح روسيا بصورة أكثر تحت نير حليفٍ ضعيفٍ ومحتاج في حين تستعدي عليها قوى إقليمية مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية. أما الوجود الروسي المتزايد فقد يصبح نفسه هدفاً للمعارضة والعناصر الجهادية السورية، مع ما يترتّب عن ذلك من ضحايا روسية. وبدلاً من استذكار أمجاد الماضي، قد تُظهر هذه الخطوة بأنها تذكيراً بالسبب الذي أدّى إلى تلاشي هذه الأمجاد في المقام الأول.

 

 

مايكل سينغ هو زميل أقدم في زمالة “لين- سويغ” والمدير الإداري في معهد واشنطن. وكان يعمل في قضايا الشرق الأوسط في “مجلس الأمن القومي” الأمريكي في الفترة بين 2005 و 2008،.

 

جيفري وايت هو زميل للشؤون الدفاعية في المعهد وضابط كبير سابق في الاستخبارات العسكرية الأمريكية، ومتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية لدول المشرق العربي وإيران. وقد نشرت هذه المقالة في الأصل من على مدونة “ثينك تانك” على موقع الـ”وول ستريت جورنال”.

 

 

إقرأ أيضا