لا أحد يمكنه التكهن بدوافع الزيارة المفاجئة التي قام بها وفد “حكومي سني” الى عمان أمس الاثنين، غير أن ما يمكن البت به هو أن الزيارة لم تأت في إطارها الرسمي البروتوكولي المتعارف عليه، بل جاءت في إطار حزبي طائفي بطابع شخصي، الامر الذي أكسب تلك الزيارة المزيد من الغموض، لاسيما وأنها جاءت عقب متغيرات سياسية وامنية هامة أبرزها الاعلان عن مقتل نائب رئيس النظام السابق عزت الدوري، بالاضافة الى تفجّر الأحداث في الرمادي وانبثاق موجة نزوح جديدة وغير مسبوقة باتجاه العاصمة بغداد، فضلا عن اقتراب ساعة الصفر لاستعادة الرمادي والفلوجة من قبضة تنظيم (داعش).
وكان كلّ من نائب رئيس الجمهورية اسامة النجيفي ونائب رئيس الوزراء صالح المطلك ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري وصلوا مساء أمس الأول الأحد، الى العاصمة الاردنية عمان في زيارة مفاجئة.
يبدو أن الحوادث المتلاحقة في العراق أصبحت مثل كرة نار خاف اللاهثون حولها من الوصول نحوهم فطاروا الى عمّان.. الملاذ الآمن الذي تتكسر عنده كل انسدادات الشرايين العراقية، فعمّان القريبة جدا من الرياض، تحتفظ بعلاقات لابأس بها مع طهران، وجيدة مع الحكومة العراقية والقوى الشيعية النافذة، بالاضافة الى إمساكها بتلابيب معظم القوى السنية متعددة المرجعيات.
عدم الاعلان عن الزيارة الا بعد وصول الوفد المؤلف من رئيس البرلمان سليم الجبوري، ونائب رئيس الجمهورية اسامة النجيفي، ونائب رئيس الوزراء صالح المطلك، الى العاصمة الاردنية، يكشف عن بروز عجالة للملمة أمرٍ ما.
وفي هذا الاطار، كشف مصدر مطلع معلومة في غاية الخطورة، لم تتأكد “العالم الجديد” من ثبوتها، ومفادها أن “الوفد ذهب لتقديم التعازي لرغد صدام حسين بمقتل عزت الدوري”، الرجل الذي تغنت بـ”بطولاته” كثيرا في السنوات التي أعقبت إعدام والدها الدكتاتور السابق، حد وصفها له بالوالد الثاني.
المصدر القريب من مرجعيات دينية وسياسية سنية، برر قيام مسؤولين كبار في النظام العراقي الحالي، بهذه الزيارة، بـ”وجود خيوط خفية لازالت تربطهم ببعض الشخصيات المحسوبة على النظام السابق، من خلال مشيمة واحدة، لا يمكنهم التنازل عنها، لاتصالها بجمهور عشائري واجتماعي عريض في عمان”، العاصمة العربية الوحيدة التي رفعت فيها يافطات الحزن لمقتل الدوري.
أنباء أخرى غير مؤكدة أيضا، أفادت بأن “الوفد ذهب الى عمان لعقد اجتماع ترعاه كل من السعودية والولايات المتحدة الأميركية، وحضره بالاضافة الى سليم الجبوري واسامة النجيفي وصالح المطلك، شخصيات سنية نافذة، وهم كل من جمال الكربولي وكامل الدليمي واياد السامرائي وخميس الخنجر وطارق الحلبوسي ونائر الجميلي وقاسم الراوي واكرم زنكنة ووجبار الكبيسي وعبدالصمد الغريري”، بحسب مصدر.
وأوضح المصدر الذي لم يكشف عن هويته في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الاجتماع الذي عقد بعلم رئيس الوزراء حيدر العبادي، كان هدفه تقديم طلب الى الجانب الاردني بتقديم دعم بري أجنبي أو عربي لتحرير الانبار ونينوى”، مبينا أن “واشنطن ستتكفل بالتنسيق مع طهران بهذا الخصوص لضمان عدم إثارة أي غضب داخلي قد يصدر من فصائل الحشد الشعبي”.
غير أن صحيفة “الأخبار” اللبنانية نقل في تقرير لها أمس الاثنين، عن “قيادي سني” قوله، إن “زيارة القادة الثلاثة لعمان تأتي للقاء شيوخ عشائر الأنبار المؤثرين والذين لديهم مشكلة مع النظام السياسي في العراق لإقناعهم بضرورة الوقوف ضد (داعش)، والتفاهم بعد ذلك في كل شيء في يمكن تسميته مفاوضات اللحظة الأخيرة”.
وكما كان متوقعا، فقد سارع نواب عن دولة القانون التي يتزعمها الغريم التقليدي لكتلة النجيفي “السنية”، نوري المالكي لانتقاد الزيارة، الى حد وصفها بـ”المقلقة والمشكوكة”، كما ذكر ذلك النائب عن الائتلاف هشام السهيل، في تصريحات اعلامية تابعتها “العالم الجديد”.
وعلى الرغم من إسراع نواب في ائتلاف النجيفي الى طمأنة الخصوم بأن الزيارة تأتي في إطار التشاور وتبادل الرؤى حول الحرب على (داعش)، الا أن ذلك لا يفصح عن أسرار الزيارة التي ستهتكها الأيام القادمة.