صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

وليفريد ثيسيغر صديق الاهوار الحميم

  من اديس ابابا التي ولد فيها عام 1910 الى السودان، افغانستان، باكستان، الى الربع…

 

من اديس ابابا التي ولد فيها عام 1910 الى السودان، افغانستان، باكستان، الى الربع الخالي الذي قطعه كثالث رحالة اوروبي بعد “برترام ثوماس”، و”جون فيلبي”، تنقّل الرحالة البريطاني “وليفريد ثيسيغر-Wilfred Thesiger”، قبل ان يزور العراق عام 1948، قاصدا بغداد وشمال العراق، لكنه ما ان زار الاهوار العراقية لاول مرة في مطلع الخمسينات حتى تعلّق بها وحرص على زيارتها سنويا منذ ذلك التاريخ حتى عام 1958، كان يقيم هناك في بعض الاحيان لسبعة اشهر متواصلة، العام الوحيد الذي لم يزر فيه الاهوار هو العام 1957.

حرص ثيسيغر على ان يكون وفيا لتلك الرقعة الجغرافية، واهلها، كان يحث اصدقائه ويرشدهم ويساعدهم من اجل زيارة الاهوار، في العام 1956 زار الاهوار برفقة عالم البيئة الاسكتلندي كافن ماكسويل، وقبل ذلك رافق كافن يونغ الى الاهوار ليمهد الطريق امامه من اجل القيام بسلسلة زيارات لاحقة.

استثمر ثيسيغر خبرته المتواضعة في الطب، ومع غياب شبه تام للاطباء في الاهوار تكفّل بعلاج سكانها قدر المستطاع، كان يختن الاطفال، يعالج الجروح البسيطة والمتوسطة، ويعطيهم المسكنات، استثمر ذلك كي يتحرك بسهولة فيما بينهم، وكي يوجد له مبررا منطقيا للبقاء هناك. طيلة وجود ثيسيغر في الاهوار لم تظهر من الرجل دوافع سيئة لذلك احبه سكان الاهوار ولقبوه بـ”الصاحب”.

لقد تحدث عن الاهوار في جزء من كتابه “رمال عربية” الصادر في الخمسينات من القرن الماضي، لكنه خصص لسكان الاهوار كتابا مستقلا تحت عنوان “عرب الاهوار” الصادر عام 1964، عن ذلك المؤلف يقول ثيسيغر:

“لا ينوي الكتاب تقديم نفسه على انه دراسة تفصيلية لسكان الاهوار الذين عشت معهم لانني لست انثربولوجيا ولست متخصصا.. لقد امضيت تلك السنين في الاهوار لاني اجد متعة في ذلك.. ومن خلال مذكراتي التي كنت ادوّنها بشكل يومي حاولت ان اعطي صورة عن الاهوار وعن الناس الذين يعيشون هناك”.

كان ثيسيغر يجيد التصوير وقد وثّق بكامرته عشرات اللقطات الجميلة التي صادفته حينما كان في الاهوار، ثيسيغر لم يكن اول من كتب عن الاهوار، فقد سبقه في ذلك العديد من الرحالة والباحثين، لكن ثيسيغر اكثر من زار الاهوار واهتم بها وعاش فيها، لقد ذكر في جملة من مؤلفاته وصفا مفصلا لطبيعة الحياة هناك، ولازال حتى هذه اللحظة معروف ومتداول عند سكان الاهوار لقب “الصاحب” الذي اطلقوه فقط على ثيسيغر.

ولفريد ثيسيغر قضى معظم فترة بقائه هناك في اهوار ميسان، في الاهوار الوسطى رغم انه تجوّل في الاهوار الشرقية وهور الحمار، حرص على توصيف كل شيء، وباسترخاء تام يكتب ثيسيغر حينما يود توصيف أيّ ملمح من ملامح تلك الطبيعة. يقول في كتابه عرب الهور: “ولأن مسيرتي بدأت في الاهوار الوسطى فهي المنطقة التي اعرفها جيدا، حقيقة لقد شعرت كما لو اني في بيتي ووطني”. فارق ثيسيغر الحياة في آب عام 2003، بعد حياة مليئة بالمغامرات من افريقيا الى الشرق الاوسط، رحل الى دار الخلود وهو يحمل بين جنبيه حلما راوده كثيرا، بأن يزور الاهوار مرة اخرى، قبل ان تتحقق استشرافاته المتشائمة جدا بشأنها، حيث كان يعبر في مناسبات عديد عن ان سكان الأهوار لن يكون باستطاعتهم الصمود في اهوارهم بعد اكتشاف النفط في تلك المناطق، نعم كان النفط كذلك وبالا عليهم بشكل مباشر وغير مباشر، حيث جففت الكثير من مساحات الاهوار وهجّر اهلها بسبب الصناعات النفطية، مضافا الى ذلك فإن ويلات السياسة لبلد غني ومنطقة غنية تكفي وحدها للعبث بمصير المساحة الكلية للاهوار وهو ما حصل.

 

إقرأ أيضا