ماذا تتوقعون أنْ يكون..

  عندما يتم تجريد الناس من انتمائهم الوطني تحت ذرائع طائفية وتلصق بهم صفة الخيانة والتبعية لدول الجوار.   عندما تستباح حرمات البيوت في ساعات متأخرة بعد منتصف الليل،ويتم اعتقال الرجال والشباب من قبل اجهزة امنيّة حكومية لاتتردد في استعمال الالفاظ البذيئة والضرب بالايدي واعقاب البنادق،دون ان تراعي كرامتهم امام ابنائهم وبناتهم وامهاتهم،وغالبا مايساقون عراة الاّ من ثيابهم الداخلية الى جهات مجهولة ليبقوا تحت رحمة عناصر امنية تمارس بحقهم التعذيب والاغتصاب أشهراً وسنوات في سجون سرية دون أن يكون هنالك دليل واحد يثبت تورط اغلبهم بجريمة ارتكبوها بحق الدولة وامنها وسيادتها، وفي ما لو أُطلق سراحهم وعادوا الى بيوتهم ليس لهم الفرصة في ان يستردوا حقوقهم التي انتهكت، وكأن شيئا لم يكن.   عندما يتم اهانة المواطنين في نقاط السيطرة ــ حتى بعد تحرير مدنهم من سلطة قوى الارهاب ــ بنفس الاساليب التي سبقت سقوطها.   عندما يستشري الفساد ويصبح آفة تنخر مؤسسات الدولة الى الحد الذي لا يستطيع المواطن ان يحصل على هوية احوال مدنية رسمية او وثيقة لطفل حديث الولادة إلاّ بعد شهور طويلة يقضيها في رحلة ذهاب واياب يتعرض فيها الى الذل والمهانة من قبل منتسبي دائرة الجنسية، أمَّا مَنْ يدفع رشوة عبر وسطاء فسيحصل على ما يريد خلال دقائق معدودة وهو جالس في بيته دون ان يتكلف عناء الذهاب والاياب.   عندما يتم الاستيلاء على قرى وبلدات ويتم تجريف وحرق ماتضمه من  بساتين ومزارع وحقول ويطرد اصحابها بحجة انهم حواضن للارهابيين.   عندما يخطف المواطن في وضح النار من قبل جهات ميليشياوية معروفة من قبل السلطة، ولاتجرؤ على ملاحقتها ومحاسبتها.   عندما لايطلق سراح من ثبتت براءتهم من السجون إلا بعد ان يدفع ذووهم الرشى للسجانين.   عندما تُحرم طائفة بعينها من الانخراط في الجيش وبقية المؤسسات الامنية ويبقى الأمر مقصورا على طائفة بعينها.   عندما يتم استبعاد ابناء المدن التي كانت تحت سلطة داعش من الانخراط في صفوف القوات العراقية اثناء عملية تحريرها، ومن ثم يتم الطعن برجولتهم وشرفهم باعتبارهم جبناء ولم يتحملوا مسؤولية القتال لتحرير مدنهم  والدفاع عن اعراضهم.   عندما تتعالى الدعوات من شخصيات محسوبة على إعلام الحزب الحاكم وهي تطالب بحرق سكان الموصل بقنابل نووية قبل بدء عمليات تحريرها، بل ان  أحدهم لم يتردد في ان يصف الموصل بالمدينة الخائنة.   عندما يتم تشكيل ميليشيات طائفية لأقلية صغيرة تسكن في مدينة مثل الموصل، وتعطى لها صلاحيات واسعة لتصول وتجول وهي تمارس شتى انواع الهيمنة والاذلال بحق الاغلبية السكانية .   عندما يتم الاستيلاء على بيوت الناس النازحين والمهجرين لتصبح مقرات لميليشيات واحزاب ترفع رايات طائفية.   عندما يتم تدمير المدن اثناء تحريرها بالصواريخ والمدفعية الحكومية بشكل عشوائي لتكون النتيجة على نفس الصورة التي كان داعش قد بدأ بها عند احتلاله لها ودون مراعاة لحياة الاف المدنيين المختطفين والمحاصرين في بيوتهم من قبل الارهابيين.   عندما تحاصر المدينة بعد تحريرها من قبل السلطات الحكومية ولا يسمح لمواطنيها بالخروج منها والوصول الى عاصمة بلدهم إلاّ بعد أن يتكفلهم شخص من سكنة بغداد.   عندما يحدث كل ذلك وأكثر، ماذا يتوقع الحُكَّام أنْ يكون عليه موقف المواطنين من القضايا الجوهرية: الهوية الوطنية، الدولة والسلطة، الانتماء للوطن.   كان عليكم ايها الحُكَّام أنْ لا تختصروا الحقيقة بأنفسكم وباحزابكم وطائفيتكم، وأن لا يكون الوطن حاضرا فقط بتبعية المواطنين لكم ولمواقفكم، وأن لاتختزلوا الخيانة بمن اختلف معكم في الرأي او العقيدة او المذهب، وأن لا تتوهموا بأن كل شيء يبدأ وينتهي منكم وإليكم.   وبما انكم قد وقعتم في الفخ الذي نصبتموه لأنفسكم، فعليكم ان تتخيلوا مواقف ستأتي من مواطنيكم ربما صادمة لكم، قد لا تخطر في بالكم، وعليكم ان تتجرعوا نتائجها على فداحتها وتتحملوا.  

إقرأ أيضا