تترجم “العالم الجديد” نصا.. تقريرا نشره الموقع الالكتروني البريطاني (ميدل ايست أي) أو (عيون الشرق الاوسط)، حول التحالف بين التيار الصدري والحزب الشيوعي
تشكلت الائتلافات العراقية استعدادا للانتخابات التشريعية المقرر اجراؤها في شهر آيار مايو المقبل، وبينما استندت الاحزاب والائتلافات على أسس طائفية وعرقية، حاولت بعض الاحزاب الخروج من طائفيتها السابقة، وإعادة إنتاج نفسها على أنها حركات وطنية.
ودخل الصدريون، وهم أتباع الزعيم الديني الشاب مقتدى الصدر، بقائمةٍ مشتركة مع الحزب الشيوعي العراقي، في خطوة غريبة ولافتة، حيث يأتلف حزب اسلامي مع حزب علماني راسخ كالشيوعي العراقي.
ويشير تاريخ العراق، الى أن التحالف بين العلمانيين والاسلاميين، له امتداد وسوابق، وويأمل التحالف “الشيوعي – الصدري” الحالي، الى إحياء ذلك الماضي، لغرض نبذ السياسة الطائفية التي ترسخت بعد عام 2003.
التحول الصدري
ظهر التيار الصدري عبر نشاط سياسي شيعي، وتبوأ مقتدى الصدر مكانة سياسية غير مسبوقة بعد عام 2003، بوصفه رجل دين شابا يقود تياراً شيعياً كبيراً، يمثل الإرث الذي وصل اليه من والده آية الله محمد محمد صادق الصدر، وهو شخصية دينية بارزة عارضت نظام صدام حسين حتى قتله عملاء المخابرات العراقية في عام 1999.
ورث الصدر قاعدةً جماهيرية أغلبها من الطبقة المهمشة والمسحوقة من قبل نظام صدام حسين وهم بالغالب من الفقراء الشيعة الذين يسكنون الأحياء البائسة في بغداد.
شكّل الصدر في سنواته الأولى، جيش المهدي، وهو فصيل مسلح اشتبك مع القوات الامريكية بمناسبات عديدة، وتورط هذا الفصيل العسكري بأعمال العنف الطائفية التي ضربت البلاد بين عامي 2006 و2007.
في نهاية المطاف، قام بحل جناحه العسكري “جيش المهدي”، في محاولةٍ منه للتنصل عن العنف الذي مثله، ففي أوائل العام 2016، اتيحت له الفرصة لترؤس حركات الاحتجاج المناهضة للحكومة في ميدان التحرير ببغداد، وكان هدف التظاهرات الضغط على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لتحقيق الاصلاح ومكافحة الفساد.
وكان الغرض من هذا التجسّد السياسي الجديد، إظهار الصدر لاعتناقه سياسات الاحتجاج، مشكلاً تحالفاً بثوب جديد، مع الحركات العلمانية الأخرى التي كان لها الأثر الكبير في تنظيم مسيرات الاحتجاج.
الأرض المشتركة
كانت الحركات الاحتجاجية أول تحالف كبير بين حركة سياسية شيعية كبيرة ومجاميع علمانية. وفي حزيران يونيو الماضي، وافق الصدريون والشيوعيون على حدٍ سواء، خوض الانتخابات معاً، وهي خطوة طليعية على النقيض من التحالفات الاخرى المنقوصة التي ظهرت قبل الموعد النهائي في كانون الثاني من العام 2018.
وأعلن الصدر إنشاء حزب سياسي جديد، حمل اسم الاستقامة، وانضم الى الائتلاف حركات علمانية عديدة لانشاء تحالف يهدف بحسب وجهة نظره الى الاصلاح، معتمداً بالوقت نفسه، على شعارات الاحتجاجات في الشوارع ضد الفساد.
يبدو من غير الملائم أن تجد حركة دينية وحزبا علمانيا في تحالف واحد، وفي الواقع، رفض بعض السياسيين العلمانيين الانضمام لمثل هكذا تحالف، معتقدين ان من المستحيل على جماعة دينية ان تتعاون مع جماعة علمانية.
ومع ذلك، خلق هذان الطرفان ارضية مشتركة لهما، وكانا يقولان انهما يهدفان الى تمثيل المهمشين والمحرومين والمضطهدين. وكلاهما يستند الى شرعيته في مكافحة الظلم وعدم المساواة الاجتماعية. ومن الممكن ان يحشّد الصدر من بين الشيعة الفقراء ببغداد والمحافظات الجنوبية اتباعاً له، في الوقت الذي لم يتمكن الحزب العلماني من خلق قاعدة جماهيرية له بعد عام 2003.
المراقبون للشأن السياسي العراقي، غير متأكدين من عدد الأصوات التي سيحظى بها هذا التحالف، ويرون ايضاً انه سيواجه معارضة سياسية كبيرة من قبل تحالف فصائل الحشد الشعبي (تحالف الفتح) الذي يحظى بتأييد شعبي واسع هو الآخر، لاسيما بعد إسهامه في الانتصار على تنظيم داعش الارهابي، ويمكن أن يُترجم ذلك الى اصوات انتخابية.
مع ذلك، وبناءً على الانتخابات السابقة 2014، فازت الأحزاب الشيعية بنحو 178 مقعداً، من أصل 328 مقعداً، ذهب منها 34 مقعداً للتيار الصدري، وحصل الشيوعيون الذين يديرون التحالف الديمقراطي على ثلاثة مقاعد.
التخلي عن الانتماء الطائفي
التحالف مع الشيوعيين، استناداً الى الاحداث السابقة، يشير الى انه سيعطي للصدريين ميزة نوعية، لكنه في الحقيقة قد يفقدهم بعض ناخبيهم الدينيين كضريبة التحاقهم بحزب علماني في تحالف واحد.
ومع ذلك، فان خسارة التحالف “الشيوعي – الصدري“ في الانتخابات حال حدوثها، يمكن ان تقابلها قيمة رمزية للصدريين، وهي التخلي عن انتماءاتهم الطائفية والسماح لهم بتقديم اوراق اعتمادهم الوطنية، وهو أشبه بنداء الى الناخبين العلمانيين.
وعلى الرغم من ان الشيعة العراقيين هم الأغلبية في البلاد، إلا انهم لا يدلون بأصواتهم دائما لقوائم شيعية، فبعضهم انتخب المرشح اياد علاوي في انتخابات 2010 (علماني شيعي نجح انذاك بجمع القوائم السنية في ائتلاف العراقية).
في نهاية المطاف، يمثل التحالف “الشيوعي – الصدري”، شرخاً آخر للتحالف الشيعي الاكبر، وحتى لو وافقت جميع الاحزاب المتنافسة على تشكيل تحالف ائتلافي حاكم بعد الانتخابات، فان الصدر سيحرم الأحزاب الشيعية الأخرى من تحقيق الأغلبية المطلقة.
ويمكن للتحالف “الشيوعي – الصدري”، أن ينتهي فيه المطاف كلاعب أساسي لحكومة عراقية مقبلة، وهذا سيعطي للشيوعيين العراقيين مرةً اخرى فرصة تولي مناصب وزارية في الحكومة الجديدة.
وبغض النظر عن عدد الاصوات التي سيحصل عليها الائتلاف “الشيوعي – الصدري”، الا أن التحالف نفسه مهم في ظهوره مندمجاً بحركة مدنية وطنية مع حركة دينية تسعى الى تجاوز حدود الطائفية.