الثقافة في معترك الطوائف؟!

ربما يتساءل كثير من الناس عن دور المثقف بإزاء ما يجري الآن في العراق من تحولات وتغييرات أخذت على عاتقها تسويف وتهميش الحضور الثقافي أمام محنة البلاد وأهلها، أو بتعبير أدق هل صار من الممكن تطويف ثقافة الحوارات والنقاشات وحشرها بين أربعة حيطان، أم ان عقلنة العراق (أقصد المثقفين) يجب أن تأخذ الحيز الأكبر من مجريات ما يحدث الآن؟

وهل أن تحجيم وتقزيم المثقفين وإقصاؤهم خارج أدوار الأداء المؤسساتي هو واجب أساسي ومهم، أم أن تكرار تجربة فرض إرادة الحزب الواحد والعشيرة المنتخبة التي دفع العراق ثمناً غالياً باتت تجربة ضرورية لكل مرحلة من مراحل تحول هذا الوطن المبتلى دائماً بالتحولات؟

وهل صار المثقف العراقي بقدرة قادر ملزماً حتماً بالخضوع لاملاءات متجددة تتسلط عليه من السيد (الواحد) المتكرر في كل الأزمنة والعصور؟

الحقيقة التي لا مناص من العناية بها هي أن هناك أسئلة عديدة تحتاج لإجابات شافية من أجل تفكيك واقع تكبيل الثقافة العراقية الحالية طالما ظل أمرها ليس بالأمر المحسوم، وقد تنوعت أساليب تطويقها من دون معرفة الأسباب، لاسيما أن المثقف العراقي حريص على ثوابته في التصدي لأي سياسي يقوم بمصادرة حقوقه واستحقاقاته الوطنية أو يصر على إبقاء فكرة تهميشه مهما علت قامت هذا السياسي أو ازدادت سلطته ونفوذه على جغرافية المكان.

وإن صفة التهميش إن صح التعبير، لم تعد وحدها قادرة على التعبير عن حالة الثقافة العراقية المأساوية الراهنة، فالجميع ينظرون اليها نظرة (السكواتزم) والازدراء كما لو أنها كانت متجراً يستحق الرثاء والشفقة. ذلك لأن الزمن الفائت من الدكتاتورية الساحقة فسح للثقافة مجالاً واسعاً لترويج نتاجها ضمن سياقات النظام البائد باعتبارها ثقافة حكومية ورسمية تتبع مقاييس نظام متكامل ظل يمارس طغيانه وهيمنته لعقود، وباعتبار ما يهم المؤسسة السياسية والعسكرية السابقة هو تعميم ظاهرة التحشيد والتعبئة الجماهيرية كما كانت توصف بشكل رسمي ضمن برامج وشعارات مكشوفة الغايات. على هذا الأساس باعتقادي، تحاول المؤسسة السياسية الجديدة إقناع نفسها بإمكانية التعويض عن جهد المثقف والثقافة عموماً بمنابر الدين والطوائف وبصحافة الأحزاب المتنفذة، معتقدة إنها وسائل تصحيح لضمان مستقبل السياسيين، وكذلك يمكن تغيير منعطفاتها الجديدة حسب المستجدات السياسية أو التوازنات الطائفية والعرقية.. وهكذا يكون من الصعب الحديث الآني عن تفعيل دور المثقف العراقي في ظل الأجواء الهامشية، بل هو لا يستطيع أيضاً أن يمارس دوره الريادي بوصفه (عقل) في ظل غياب مشروع وطني وتاريخي يميل إلى بلورة الهوية الوطنية. لأن البون الشاسع وثقافة تكبيل الثقافة الذي أصاب مفاصل الهوية الوطنية قد انعكس على فاعلية الجهد الثقافي وحيويته، خاصة وأن أغلب مرافق الثقافة المتمثلة بالمكتبات الوطنية والمركزية في عموم مدن العراق معطلة بسبب الانهيارات الأخيرة التي آلت اليها حالة الفوضى والفلتان، أو بسبب عزوف الناس عن القراءة والمطالعة والانكفاء على المرئيات الفضائية.

ولعل أنكى المفارقات التي تؤشر ما يدور في بعض أروقة الثقافة الحالية تساؤلات بعض الذين أقحموا أنفسهم في المشهد الثقافي استناداً إلى محسوبياتهم المذهبية والطائفية والعرقية أو درجات اقترابهم من هذا المتنفذ الحكومي أو ذاك المتسيد الثقافي، وهم جمع كانت غالبية الرموز الثقافية المؤثرة بحق تطلق عليهم تسمية (عكاريك) الثقافة، الذين أسسوا فيما بعد لثقافة الـ(عكاريك) تيمناً بضفادع المستنقعات التي تدفع بها الأقدار إلى التقافز في الشوارع العامة أيام المطر، وأخطر ما يحمله هذا الحشد من (المتعكركين) هو انه لا يستحي من السؤال عن تبعية الجواهري، أو طائفة السياب، أو مرجعية لميعة عباس عمارة، أو لاءات غالب طعمة فرمان وجواد سليم وإسماعيل فتاح الترك وسواهم كثيرون.. لأن هذا (الجنس) من المستثقفين لا يمكن أن يشعر بطول قامته إلا بمثل هذه الأسئلة ومثيلاتها، فمن سيوقف تناسل حشود الــ(…..) قبل أن تتمكن من الاستحواذ على كل أوراق الإبداع العراقي؟

monazel_iraq@yahoo.com

* شاعر وإعلامي

إقرأ أيضا