شبح البعث

منذ نيسان 2003 ونحن نستمع الى تحذيرات من خطر عودة البعث الى حكم العراق، وهي…

منذ نيسان 2003 ونحن نستمع الى تحذيرات من خطر عودة البعث الى حكم العراق، وهي تحذيرات تصدر عن قادة سياسيين ومسؤولين حكوميين وخطباء مساجد وحسينيات وكتاب ومحللين سياسيين يتناسلون كل يوم على صفحة الأحداث.

 

هل توجد هناك حقا امكانية لعودة البعثيين الى حكم العراق؟ ام انها فزاعة وجدت لتخويفنا وكبح جماح تطلعاتنا؟ ام انها إدامة لتهمة جاهزة تلصق بأي صوت معارض او معترض على سواد ما يجري؟ ولنتذكر يوم وصف رئيس الوزراء السابق متظاهري ساحة التحرير في شباط بالبعثيين والمتآمرين، ولنتذكر أيضا آلاف التصريحات التي صدرت عن مسؤولين سياسيين وأمنيين وصمت كثيرين بالعمالة للبعث والعمل على تنفيذ مخططاته.

 

من عاش في العراق حتى سقوط نظام البعث يعرف جيدا ان حزب البعث بدأ بالتلاشي مع صعود الدكتاتورية، وفي السنوات العشر الأخيرة لم يعد له وجود بالمعنى المتعارف عليه للحزب السياسي، حتى بالصيغة البعثية. فلقد تمت على مراحل تصفية القيادات والكوادر الحزبية واستبقي أولئك الخانعون لسلطة رجل واحد مغامر شرس وغليظ القلب، يحلم بمشروعه الشخصي بأن يصبح، مثل شاه ايران، شرطيا للخليج.

 

يقال ان عضوية حزب البعث وصلت الى ثلاثة ملايين منتسب، لكن كانت هناك نواة صغيرة صلبة تعمل في خدمة الدكتاتور، وهي تلك التي تحولت من تنظيمات سياسية حزبية الى جهاز مخابراتي وقمعي، أما الملايين الأخرى المتبقية فلقد عاشت مثل الطحالب في بيت الطاعة البعثي لا دور لها غير الخروج بمسيرات التأييد للقائد. وما إن سقط القائد حتى تداعت كل تلك الشبكة الضخمة من الأعضاء والأنصار والمريدين.

 

وارد جدا ان يحلم من تبقى من القادة البعثيين، ومعظمهم يعيش في المنافي على إمدادات الآخرين، باستعادة حكم ضاع في واحدة من أكثر فترات تاريخنا الحديث غباء وقصر نظر، بكل جنونها العسكري ومآسيها وأنواط شجاعتها وعنجهية قائدها حتى انتهى الأمر الى حفنة من تراب.

 

ولما كان أولئك الحالمون بالعودة قد تربوا على قيم المغامرة والمقامرة والانقلاب، فإن مخططاتهم لن تخرج عن إطار ما اعتادوا عليه وتعلموه. لن يدركوا ان الأمر لم يعد كما كان في ستينات القرن الماضي؛ أن تنسق مع الأميركيين ثم تسير بضع دبابات تقتل عبد الكريم قاسم فتطيح بنظام الحكم، او ان تسير بضع دبابات الى القصر الجمهوري لتنصب في ساعات أحمد حسن البكر رئيسا للجمهورية.

 

لم يعد الأميركيون أيضا اللاعب الوحيد في صناعة الانقلابات، فلقد دخلت المشهد قوى أخرى منها ايران وروسيا وبعض دول الاتحاد الأوربي ينبغي استرضاؤها قبل أي تحرك سياسي او عسكري.

 

ولم تعد هناك قطعات من الجيش يمكن استمالتها كي تضع دباباتها تحت تصرف الانقلابيين، كما كان يحدث في كل الانقلابات السابقة. وما عاد العراقيون شعبا منزوع السلاح، فلقد امتلأت الجيوب بالرصاص، وهو رصاص كثير منه جاهز ومجهز للدخول في لعبة تضارب المصالح الدائرة على أرض العراق.

 

وهؤلاء الحالمون باستعادة حكم العراق لا يملكون الأدوات التي قام عليها حكم البعث، وهي تلك الآلة الاخطبوطية من المخابرات وأجهزة القتل والترويع التي صنعت على مدى عقود من الزمن ثم اختفت مع ظهور أول دبابة أميركية على جسر الجمهورية.

لا تصدقوا كل من يخيفكم من عودة البعث الى السلطة.

 

إقرأ أيضا