احذروا عودة بترايوس

ليست المسألة ان ندرك ان واشنطن لا تريد للعراق ان ينتصر في حربه على تنظيم…

ليست المسألة ان ندرك ان واشنطن لا تريد للعراق ان ينتصر في حربه على تنظيم داعش. وليست المسألة فيما اذا كانت واشنطن وأنقرة والدوحة والرياض مستعدة لتقديم كل العون لتنظيم “داعش” من أجل أن لا يهزم أمام القوى العراقية، جيشا وحشدا شعبيا وعشائر. بل المسألة هي حجم التوافق السياسي العراقي الداخلي حول ديناميات الصراع الاقليمي والدولي في الموقف من الحرب ضد تنظيم “داعش”.

 

ثمة رقص بين الجثامين، يقابله رقص على إيقاع الذبح والصلب. السياسيون يفعلون عكس ما يقصده المقاتل في ساحة الحرب، لكن للنصر وهج يستقطب سماسرة المواقف مثلما يستعدي سماسرة الجنة الذين يوزعون قصورها على المجاهدين حسب الرغبة، وحسب الفعل الجهادي.

 

البدلات المرقطة التي يرتديها السياسيون المتجهون الى الجبهات التي غادرتها رائحة الموت ورائحة البارود للتو، بعد نصر مضمخ بدماء شباب العراق، تبدو وكأنها باجات مزيفة لدخول سيرك يقدم عروضه في مقبرة. هؤلاء الذين يفتقدون الاحساس برائحة الأرض، يفتقدون أيضا الى الهمة، “فربما همة أحيت أمة” كما يقول إمام البلغاء علي بن أبي طالب.

 

بالمقابل لا يخفي سياسيو الغفلة ومناضلو فنادق أربيل وعمان وبيروت ودبي دهشتهم للتقدم السريع الذي تحرزه القوات العراقية. هؤلاء فئران مختبر جون كوينتون الذي يصفهم بأنهم حين يرون نورا في نهاية النفق يعودون أدراجهم ويباشرون حفر أنفاق جديدة يأملون أن لا يكون ثمة نور في نهاياتها.

 

التصدع الداخلي في العراق بأبعاده السياسية والمذهبية المرتبطة بثقافة القبيلة ينزع نحو استدراج داحس والغبراء الى أسوار تكريت. ثمة عشائر متهمة بمجزرة سبايكر، وثمة عشائر تطالب بدم أبنائها المغدورين في تلك المجزرة. والحكومة، ككل الحكومات، لا تحل المشاكل، بل تدعمها على حد وصف تيودور روزفلت.

 

وليست المسألة ان نغسل عن وجه الحرب الدائرة بثور الالتباس أوما يُلصق ببساطير المقاتلين من وحل اللوثة الطائفية، كما انها ليست في حوار حجارة الشطرنج المقسمة الولاءات بين محوري ايران – تركيا والسعودية. انا لا أستثني أحدا هنا، لا أعضاء البرلمان ولا طاقم الكابينة الحكومية ولا قادة الأحزاب والكتل. الجميع خرج من مربعات رقعة الشطرنج ذاتها، لكن المسألة هي ان المواجهة التي يخوضها جيل مدجج بالنصر، ستقوده الى تفتح إتجاهاته العقلية خارج إطار خيمة اللاهوت، ويغادر فضاء الهوية الطائفية نحو فضاء الهوية الوطنية، على الرغم من ان كهنة الطائفية، ومن جميع الأطراف، يتشبثون بتكريسها في ضفتي القتال من أجل استغراقهم أكثر فأكثر في برك الفساد، وتلك ستكون واحدة من مشاكل النصر، فللنصر مشاكله أيضا كما يقرر ونستون تشرشل، وهي قد تكون أقل وطأة من مشاكل الهزيمة، لكنها في كل الأحوال ليست أسهل منها في أي شىء، على حد وصف الثعلب البريطاني. ألم يقل نابليون بونابرت ان أخطر الأوقات هي أوقات النصر؟

 

ثمة توجس من الوقوف على حافة النصر في تكريت، وسط حمى الإعلام الأمريكي والنفطي الذي يوزع الخوف من الشظايا المذهبية “المتناثرة” كما توزع الحلوى بين جموع جائعة، خوف قد تعززه أطراف تابعة ستفعل المستحيل من أجل ترجمته الى أمر واقع، فأبناء ديفيد بترايوس تواقون الى إعادة نشاطهم وفق مشيئة الجنرال الناعم الذي تدرج في العراق من قائد للفرقة 101 المحمولة جوا في الموصل لحظة احتلال العراق، الى قائد للقوات الأمريكية في العراق، بسبب نجاحه الباهر في رفع منسوب الطائفية وتزايد أعداد القتلى من الشيعة والسنة، خصوصا بعد تفجير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء الذي كان من سيناريو وإخراج الجنرال الناعم، الأمر الذي فتح أمامه الطريق الى لانغلي في فيرجينيا ليصبح مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، قبل أن يستقيل منها على طبول فضيحته مع الصحفية بولا برودويل.

 

إحذروا عودة بترايوس بعد غياب، فأينما يحل هذا الرجل يلحق به فيلق من صناع التوابيت وحفاري القبور، وحافظوا على خطوات النصر من توثب الجنرال الناعم.

قد يتقبل الكثيرون النصح، لكن الحكماء وحدهم الذين يستفيدون منه، هكذا يقول بابليليوس سيرس، فهل ثمة حكماء بين السياسيين العراقيين؟

 

إقرأ أيضا