هل من فرصة لتجديد \”التحالف الوطني\” العربي الكردي على طريق \”التغيير\”؟

2/2

مسارات التناقض الذي لا يفسر:

قبل عدة أشهر التقيت السيد مسعود بارزاني في أربيل، وكانت الأزمة بين كردستان والمركز في ذروتها، وأنا لست من الذين يقصدون، أو قصدوا أبواب \”العملية السياسية\”، لأغراض أصبحت معلومة، بالأخص ما فعله ويفعله أولئك الذين يعتبرون أن للماضي وللنضال، أثمانا ينبغي أن تستوفى اليوم، سواء باسم الماضي النضالي أو السجني وغيره. وحين دخلت على رئيس إقليم كردستان، في قصره الهائل، بادرته بالقول \”أي شيعة أولئك الذين ترددون كل يوم أنكم حلفاؤهم؟\” لم يجب بارزاني عن سؤالي، ويبدو أنه لم يفهم السؤال، أو فاجأته غرابته فأكملت \”انتم في الحقيقة حلفاء أعداء الشيعة\”، وقد رد علي بمنطق وجدته أشبه بالانقلاب الجاهز، إذ قال \”أذكرك بشعار الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان\”، ما جعلني أظن أني في محل عطارة مزدحم بالجوارير، يمكن أن يفتح أي منها وقت الحاجة، لتخرج منه بضاعة تناسب الحالة والظرف، ولست ولم أكن في يوم من الأيام من \”أصدقاء الكرد\” على الطريقة المعروفة، لم أقاتل معهم، ولا سبق أن جمعتني وإياهم جبهات أو تحالفات، لم أكن ضدهم أو مع الجهات التي تناصبهم العداء، لا بل على العكس كنت صديقهم من منطلق وطني، ابعد من القوميات، وجمعتني علاقة سياسية  وشخصية حميمية بالرئيس جلال طالباني، وكل هذا قام على الاحترام المتبادل والمودة.

 وأتذكر أنني قمت مرتين بخطوات، ما زلت اعتبرها دليلا على أنني لم أكن في يوم من الأيام، أكن للكرد أي قدر من عدم المودة، المرة الأولى كانت عام 1977، عندما حضر إلى بيروت وفد من \”الحزب الديموقراطي الكردستاني\”، بقيادة عارف طيفور نائب رئيس البرلمان العراقي الحالي، وكان الحزب يومها في أسوأ حالاته، محاصرا ومنبوذا، بعد هزيمة ثورته عام 1975، واستسلام مصطفى بارزاني الشهير، وشيوع فكرة راسخة لدى القوى العربية والعراقية، عن ارتباطهم بالولايات المتحدة الأمريكية، وبإيران الشاه، وبعملهم ضد وحدة العراق والعرب. وقد جاؤوا وقتها يبحثون عن طريقة للقاء أية قوة من القوى الفلسطينية، بأمل أن يعقدوا معها علاقة. فجوبهوا حينها بالرفض وبالامتناع، غير أنني قمت بجهد غير عادي، وشبه مستحيل، إلى أن وفرت لهم لقاء بحركة فتح، وبلجنتها المركزية، ومنذ ذلك اليوم لم أر الأخ عارف، مع أنني كنت اسمع أخباره، وتقلده المناصب العليا في الثورة الكردية، وأصبح اليوم واحدا من المسؤولين الكبار في \”العملية السياسية\”، ولم يخطر ببالي أبدا أن اتصل به، بينما لم يبادر هو من جهته، ولا لمرة واحدة، ويتصل أو يسأل.

المرة الثانية كانت عندما سعيت لدى الحكومة المصرية، وبمبادرة شخصية، ومن دون أي تكليف، أو طلب، أو حتى صلة بالكرد، فطلبت من الأخ الشهيد \”ياسر عرفات\” أن يفاتح حسني مبارك، بضرورة فتح مكتب للأكراد في القاهرة، باعتبار مصر اكبر الدول العربية، وباعتبار أن بقاء هذا الحصار الدبلوماسي العربي، كما هو، قد يدفع بالأكراد للجوء إلى خيارات غير محمودة اضطرارا، أو نكاية، أو لأي سبب يولده وضعهم المأساوي. وقد استجاب لي فعلا، وتحدث مع عمر سليمان، الذي قابلته بعدها بناء على طلبه، فشرحت له المبررات الموجبة لمثل هذه الخطوة، وأتذكر انه سألني عمن أرشح من الشخصيات المصرية، للقيام بمهمة رعاية هذا الموضوع، فأشرت عليه بالشخصية اليسارية، محمود حمروش لانفتاحه، ولمعرفته بالأوضاع العراقية، وثقافته الواسعة.

وبالفعل تم عرض الأمر على حسني مبارك، فوافق بسرعة، وبدأت الاتصالات المطلوبة، وتم فتح مكتب في القاهرة، أظن أن \”عدنان المفتي\” الرئيس السابق لبرلمان كردستان، هو من أداره وقتها، بعد عقد مؤتمر في القاهرة لهذا الغرض. ومع أنني لم أحضر المؤتمر المذكور، ولا سعيت أو عملت على تثمير ما قمت به في حينه، إلا أنني تلقيت وقتها طعنة من السيد جلال طالباني، حين سألته جريدة الأهرام عن مدى رغبته في اللقاء بي، فرد بالقول بأنه \”لن يلتقي ممثل الدكتاتور\”، ولست أذكر هذه الوقائع اليوم من أي باب يمكن أن يولد في الأذهان المريضة، تصورات لا محل لها، ولم يكن ديدني، فجلال طالباني، وغيره ذهبوا لاحقا إلى العراق، وقابلوا صدام حسين، ووضع جلال بالذات يده في \”حزام\” صدام، وقبله قبلته الشهيرة، وهو قد تقلب مرات عديدة قبلها، وفتح منذ الثمانينيات أبواب النقاش مع الحكم الدكتاتوري.

من بين الأمور التي اذكرها أيضا، هو مساهمتي في العمل، أو الكتاب الضخم الذي وضعه الكاتب الكردي \”سعد هماوندي\” عن الراحل مصطفى بارزاني، وقد أسهمت فيه عام 2002.

بالنسبة لي وبغض النظر عن تجارب الآخرين، أريد التركيز اليوم في الأحداث المعاشة راهنا، وعلى التغيرات المفاجئة، والانقلابات الخارجة عن التوقع، كما لمستها من سلوك القيادة الكردية، ولا أقول بان تجربتي تؤهلني للغوص كثيرا في التفاصيل، إلا أنني كمتابع للشأن العراقي، عدا عن دوري السياسي وتجربتي في هذا المجال، أفضل أن أجد الأعذار للسيد مسعود، وألا أبخسه حقه، لأنني لو فعلت ذلك لاضطررت لأن أعيب عليه مواقف اعتبرها مشينة، ولا تليق بأي قائد، يحترم نفسه وشعبه وموقعه، إذ لا شيء اليوم يمكن أن يبرر لي، أو لأي مراقب، أو إنسان عادي، الانتقال الذي ذهب إليه بارزاني، من العداء للمالكي إلى، إسناده. لا بل إلى فعل ما كان يعيبه عليه، فيمدد لنفسه، والأفظع والأنكى من ذلك، أن يبادر إلى دعمه العملي، بقواته العسكرية والأمنية، فيحضر إلى بغداد ببيشمركته، بينما بغداد تلتهب بالانتحاريين والمفخخات.

  قد يخطر لأي مراقب، أن يقول بان هذا الذي حصل ويحصل هو نوع من \”سلوك المافيات\”، وانه لا علاقة له بالسياسة بأحط صورها، فضلا عن الأخلاق أو مثل القيادة. ويسأل المرء وقتها، عن تطابق مثل هذا السلوك عن مدعيات تمثيل الكرد، أو التطابق الفعلي مع مصالحهم، وفي هذه الحالة نضطر لان نجمل ما هو ابعد من هذا المظهر، ونعود إلى التفاصيل، سواء في ما يسمى المشروع الكردي وكيفية إدارته، أو عموم العلاقة بالمجتمع ومستويات الفساد والتسلط العائلي، ورائحة الزعامة الإقطاعية التي تزكم الأنوف حين تحاول التملص من مفاعيل العصر، غير أن هذه كلها ظواهر، أو نوع من العلل، يفترض أن تكون عادية، وأن تناقش بناء عليه وفق الظرف واللحظة، ومن كل حسب اجتهاداته، أو قدرته على التحليل، أو نوع وقوة الدوافع التي تحركه، وتنظم علاقته بالظاهرة.

وهذا كله غير وارد ولا مطروح هنا، ولم يعد مقبولا التعامل في ضوئه أو على أساسه، لأن الوضع في العراق، ووضع \”العملية السياسية الطائفية العرقية\”، وصل درجة فقدان مقومات الفعل الذاتي، وتحولت منتقلة ومتهاوية إلى فعل \”قاصرين\”، يسيرون من القوى ذات المصلحة في توجيه الحالة حسب مقتضيات الاستراتيجيات الإقليمية والدولية.

يتبع ملحق (1)

البيشمركة في بغداد قبل المفخخات في أربيل؟

* كاتب وسياسي عراقي

إقرأ أيضا