أهالي بغداد ينزحون أيام العيد إلى كردستان هربا من قيظ السياسة وحرائق الإرهاب

طوال الطريق من بغداد إلى السليمانية، لم يبد الملل على الحاج سلام، وهو يناقش الأحوال السياسية الجارية في البلاد. كان الحاج، وهو صيرفي من بغداد، أقرب الى مدعو للحديث في مؤتمرٍ سياسي، منه الى سائح يقضي أيام العيد والقيظ في المحافظة الشمالية الأمينة والمعتدلة في جوها نسبيا. الغريب في الأمر أيضا أن مرافقه كان يجاريه هو الآخر من دون أن يظهر أي ضيق.

يقارع السائق الأصوات القادمة من خلفه برفع صوت الأغنية المنبعثة من مسجل السيارة، كلما اشتد الخلاف بين الاثنين (الحاج سلام ورفيقه)، بشأن سياسات رئيس الوزراء نوري المالكي، لكن صخب الموسيقى يفشل بالنهاية في كبت صوتيهما الطاغيين.

حجي سلام ( 58 عاما) كان مرعوبا من التقارير التي كانت تبث عبر وسائل الاعلام عن التهديدات التي أطلقها تنظيم القاعدة في العراق، الأمر الذي دفعه إلى اتخاذ قرار بقضاء عيد الفطر في محافظة السليمانية بمعية صديقه.

بدا الطريق موحشاً عندما تعدّت الساعة 9 مساء، وكان قضاء العظيم التابع لمحافظة ديالى يضيق بالسيارات، حيث لا يتسع إلى سيارة قادمة وأخرى ذاهبة، ما جعل السائق يخفف من وتيرة سرعته.

مدخل السليمانية كان فارغاً، إلا من 10 أشخاص، خلافا لساعات النهار التي تحتشد فيها أعداد القادمين من بغداد والمحافظات الأخرى في مثل تلك الأيام. تصرف معهم حرس الاقليم بلباقة، وحصل كل منهم على ورقة لدخول السليمانية، والمضى إلى \”المدينة التي لا تنقطع عنها الكهرباء\”، بحسب حجي سلام.

كانت السليمانية في 11 ليلاً مدينة لا يغلبها النعاس. السيارات تصدح بموسيقى كردية صاخبة، والشباب والشابات يلوّحون طرباً مع الأغاني.

ومع دخول فندق أبو سناء، الذي يقع أول منطقة سرجنار التابعة للسليمانية، تبين أن أغلب نزلائه من أهالي بغداد، حيث تحوّلت صالة استقبال الفندق إلى برنامج سياسي؛ فبالاضافة الى حاج سلام الذي لم يكن يكف عن الحديث في الشأن السياسي، كان هناك شاب يتكلّم بعصبية مفرطة عن الأوضاع في سورية، ويدافع عن \”لواء أبو الفضل العباس\”، فيما يدين جليسه نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وفي تلك الأثناء ينط رجل كبير لتهدئة الموقف، ليخاطبهم بصوت أبوي \”احنا بيا حال.. حيروا بالعراق أول عمو\”.

بدت المدينة مغرية للجميع بالخروج في نزهة، حيث شجعهم الزحام المعقول والهادئ الذي لفّ منطقة \”سرجنار\”.

وتفرق السائحون بين المطاعم والنوادي، إذ بدأ شباب من بغداد، لم يمضِ على وصولهم إلى السليمانية سوى ساعات، بارتياد بار يفتح أبوابه لأول مرة منذ إغلاقها في شهر رمضان الماضي، كما يقول نادل في أحد البارات.

ويقول أحمد الزهيري (27 عاما)، إن \”الحياة جميلة هنا.. والمحافظة في تطوّر مستمر، أما في بغداد فالوضع عكس ذلك إنه في تراجع مستمر\”. ويضيف \”لولا تهديدات القاعدة لما قدمت إلى السليمانية\”.

الزهيري كان قد قدم أحمد برفقة 3 من أصدقائه، ساعده أهله بدفع بتكاليف سفرته السياحية، خشية على حياته من الأوضاع الأمنية السيئة في بغداد.

حجي سلام من جانبه، يحاول دائما أن يسمع الأخبار عبر الراديو أو التلفاز، خشية من حدوث مكروه لأولاده في بغداد.

يتصل بين ساعة وأخرى بزوجته ويحذرها بضرورة مراقبة الأولاد خشية أن يخرجوا إلى الشارع \”الأوضاع مو زينة لا تخليهم يطلعون\”.

لكن حجي سلام، قرر بعد ظهر ثالث أيام العيد، هو ومرافقه والسائق العودة إلى بغداد، فيما كان الأمل طوال الطريق رفيقاً لا يمل، \”عدّت تهديدات القاعدة على خير\”.

لم يستمر الأمل بالسريان طويلاً حتى تلقى جميع من في السيارة مكالمات تخبرهم بخروقات أمنية كبيرة.

ضرب حجي سلام على ساقه \”لو لم أرجع إلى بغداد، لكان أحسن\”.

فقد قتل 50 شخصاً، وأصيب 140 آخرون في سلسلة تفجيرات منفصلة وقعت في مناطق مختلفة من بغداد.

بدت ملامح مدينة بغداد مذعورة، الزحامات خانقة، وسيارات الشرطة تسير في كل حدث وصوب، والسيطرات الأمنية تخنق المدن.

ومن سوء حظ الحجّي، أن يقع منزله في منطقة الدورة بجانب الكرخ، والتي تعرضت الى أحد أعنف التفجيرات التي ضربت العاصمة بغداد في ذلك اليوم، حيث أغلقت القوات الأمنية المنطقة ومنعت سير المركبات فيها، وتطلب الوصول إلى منزله قرابة 4 ساعات.

يجلس بسأم وقلق داخل السيارة التي تنتظر دورها ضمن طابور طويل، في المرور الى داخل حي الدورة الذي تم فرض طوق أمني حوله، ليقول \”ليتني لم أعد، لأقضي وقتاً أكثر هناك\”.

إقرأ أيضا