السياسات المائية لتركيا وإيران وآثارها في العراق

تنامي ظاهرتي الاحتباس الحراري والجفاف وضعف إدارة الموارد المائية في السنوات الأخيرة وضع دول العالم أمام أعتاب حرب من نوع جديد ذات أبعاد اقتصادية وسياسية بل واجتماعي ستتحكم في مسارات العلاقات الدولية على نحو كبير, إنها حرب المياه  العنوان والحدث الأبرز في القرن الحادي والعشرين, التي ستضع كثيرا من الدول أمام تحديات من نوع مختلف تستلزم منها إعادة ترتيب أوراقها للحفاظ على ما تبقى من الموارد المائية لديها لتجعلها في مأمن من لعبة الصراعات الإقليمية والدولية التي يشهدها العالم اليوم والشرق الأوسط على وجه الخصوص.

وبالرغم من الدعوات المتزايدة من حكومات ومنظمات دولية إلى ضرورة توحيد جهودها وابتكار طرق علمية وحديثة من اجل مكافحة النقص المائي والتقليل من الهدر وإبرام اتفاقيات مشتركة للتعاون في تقسيم نسب المياه بينها لنزع أي توتر، بالأخص في المناطق التي تشهد على نحو متزايد نقصا في الموارد المائية مثل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا, فانه، وبحسب الدراسات التي صدرت حديثا من منظمات عالمية تعنى بشؤون المياه، قد تجف العديد من الأنهار الرئيسة في الخمسين سنة المقبلة، ومع تصاعد أعداد البشر ليصلوا نحو 9 مليارات في منتصف القرن 21 فان الأزمة ستتفاقم.

ونتيجة لذلك لجأت الدول المتشاطئة \”المنبع\” لتغيير إستراتجيتها في إدارة ما لديها من موارد مائية، مستفيدة من عامل التغيرات المناخية لتتنصل من الاتفاقيات الخاصة بتقاسم المياه, وحتى لو وقعت عليها فإنها ستسعى لتكون الطرف الأقوى لافتقار الدول المتشاركة معها للمياه، وبالتالي سيمكنها هذا من وضع معايير سياسية واقتصادية جديدة في طبيعة علاقتها مع دول المصب تسمح لها بتحقيق مكاسب اكبر على المدى البعيد. 

وعلى ضوء هذا مرت العلاقات العراقية مع تركيا وإيران على مدار العقود الماضية  بحالة من المد والجزر. عشرات الاجتماعات الثنائية أو الثلاثية وما انبثق عنها العديد من الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات لحل مشاكل المياه بين الأطراف الثلاثة, ومنها معاهدة الصداقة وحسن الجوار مع تركيا التي وقعها البلدان في 1947 مع بروتوكولاتها الست الملحقة للعراق, ومعاهدة أنقرة عام 1920، واتفاقية التعاون الاقتصادي والفني عام 1971، وبروتوكول عام 1980, والمعاهدات التي أبرهما العراق مع إيران كبروتوكول الأستانة عام 1913, ومحاضر الجلسات عام 1914 بين العراق وإيران لترسيم الحدود والمياه الإقليمية، ومعاهدة الحدود الدولية وحسن الجوار عام 1975, إلا أنهما (تركيا وإيران) تنصلتا من هذه الاتفاقيات المبرمة مع العراق بعد حربي الخليج الأولى والثانية والغزو الأمريكي عام 2003، وأخذت ممارساتهما طابعا استفزازيا عبر إقامتهما لمشاريع وسدود بدعاوى استغلال مياهما الإقليمية التي تعكس في حقيقتها أهدافا سياسية أكثر منها اقتصادية.

ومع تزايد ندرة الأمطار وسوء إدارة المياه؛ فان البلاد ستواجه خطرا حقيقيا في السنوات العشر المقبلة، ما لم يتم وضع خطط إستراتيجية واضحة ومدروسة لاستغلال مصادر المياه لمواجهة الجفاف والتصحر وتلافي انعكاساتهما السلبية على البيئة العراقية.

والأسئلة المطروحة؛ هل ستفتح تركيا الباب لصراعات القرن الحالي بإقامتها مشروع (GAP)؟ وما مدى تأثيره في طبيعة العلاقة العراقية – التركية مستقبلا؟ وما النتائج المترتبة من هذا المشروع على مختلف الجوانب الحياتية في العراق؟ 

ترى تركيا أن لها الحق في السيطرة على مواردها المائية والتصرف بها مثلما تسيطر الدول العربية النفطية، وفي مقدمتها العراق، على آبار البترول ومصادره، باعتبارها مصادر طبيعية داخل حدودها السياسية، وترى عدم أحقية العراق بالاعتراض، رافضة أي تدخل دولي، باعتبار أن نهري دجلة والفرات هما نهران وطنيان تابعان لها، ولأجل ذلك نرى أن الإستراتيجية التركية بدأت تأخذ منحى آخر في علاقتها مع الجانب العراقي على البعدين السياسي والاقتصادي، فخشيتها من تقسيم العراق طائفياً وقومياً ما قد يسمح بظهور دولة كردية مستقلة أو كونفيدرالية (عاصمتها مدينة كركوك الغنية بالنفط)، والذي عزز تطلعات الأكراد الأتراك لإقامة كيان مماثل في جنوب شرقها, يدفعها لتكون لاعبا رئيسا في المنطقة لمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد, وثقلا اقتصاديا عبر تسخير مواردها لتحقيق التنمية على كافة الأصعدة لإحياء المنطقة الفقيرة تاريخيا في جنوب شرق الأناضول وتحويلها إلى سلة للغذاء في الشرق الأوسط للتغلب على المشكلة الناجمة عن فقرها من ناحية موارد الطاقة الطبيعية، النفط، الغاز، وبقية المعادن، واستثمار هذا التفوق الاقتصادي لمقايضته بالنفط ومصادر الطاقة الأخرى مع جيرانها العرب.

في حال استمرارها بمشاريع السدود العملاقة فان تركيا ستلحق تدميرا بالعراق على كافة الأصعدة، وعلى النحو الآتي:

• تبلغ كميات المياه العذبة المتاحة في العراق حوالي 77 مليار متر مكعب سنويا، منها حوالي 48 مليارا من نهر دجلة وروافده, وحوالي 29 مليارا من نهر الفرات. وتبلغ كمية المياه المستغلة بالعراق حوالي 25 مليارا. انخفضت مناسيب المياه المتدفقة في نهر دجلة من تركيا باتجاه الحدود العراقية بنسبة 60 % بسبب مشاريع السدود التي أقيمت على منابع نهري دجلة والفرات ومنها سد أتاتورك وقره قايا وبيرجيك التي في مجملها تستوعب حوالي 138 مليار متر مكعب من المياه العذبة. أما مناسيب نهر الفرات الواصلة إلى العراق عبر سوريا فقد انخفضت بنسبة 80 % بسبب السدود والبحيرات التركية والسورية, وإن واصلت الحكومة التركية في استكمال بقية السدود فإنها ستنخفض إلى أكثر من 28 مليارا, وسينخفض هذا الوارد إلى 9.7 مليار متر مكعب/سنة وهو يشكل نسبة 47 % من الإيراد السنوي لنهر دجلة، وان مثل هذا النقص له انعكاسات خطرة على العراق في مجالات (الزراعة، الشرب، توليد الطاقة، الصناعة، وبدرجة كبيرة إنعاش الأهوار والبيئة).

• انحسار المياه في العراق ينعكس على سيادته وأمنه واستقراره على المستويين المحلي والإقليمي، وقد يؤسس لحرب إقليمية وشيكة، وبناء على ما متوفر من معلومات فإن إيراد نهر دجلة مقدم سد الموصل الآن هو 200 متر مكعب في الثانية والكميات المطلقة 400 متر مكعب في الثانية ليشكل عجز مقدار 200 متر مكعب في الثانية، وعند احتساب حجم الخزين الحالي لبحيرة السد فإن مياه البحيرة تكفي لمدة 10 أشهر فقط، وكذا هو الحال مع سد حديثة على الفرات حيث يشهد انخفاضا ملحوظا للمخزون من المياه.

ونتيجة انخفاض منسوب المياه إلى نحو 50 % في العراق اضطرت نحو 300 ألف عائلة في الناصرية والأهوار وحوض شط العرب للنزوح لعدم وجود مياه للشرب ما أدى إلى انتشار الأمراض ونفوق الحيوانات وانخفاض الزراعة إلى أقل من النصف، وبلغت نسبة عدد الأراضي الزراعية  نحو 18 % فقط ما حدا بالدولة العراقية لرفع استيرادها من المواد الغذائية لنحو 80 %  بعد أن كان العراق يتمتع باكتفاء ذاتي.

وحسب تقديرات برنامج الغذاء العالمي World Food Program لعام 2009 يوجد في الوقت الحاضر 930 ألف مواطن عراقي يعانون من نقص الغذاء، و6.4 مليون عراقي آخر سيتعرضون لنفس الوضع في حال فشل نظام الحصة التموينية الحالي.

• عند اكتمال بناء مشروع سد اليسو، ستكون مجمل المساحات الزراعية التي ستحرم من تجهيزات المياه 696.000 هكتار من الأراضي المزروعة, وهذا سيؤدي إلى انخفاض كبير لإسهام هذا القطاع في الإنتاج المحلي وانعكاسات ذلك على مدخولات الفلاحين والمزارعين ما سيدفع بهم إلى ترك مهنة الزراعة والهجرة إلى المدن، كما ستزيد من اتساع وزحف مساحات التصحر في العراق وانتشار الكثبان الرملية وحصول تغير في طقس العراق من خلال تكرار العواصف الرملية (وهو ما شهدناه في السنتين الأخيرتين) إضافة إلى تدهور المراعي الطبيعية وانخفاض إنتاجها في المناطق المتاخمة للأراضي الزراعية التي ستقطع عنها المياه إضافة إلى جفاف الأهوار طبيعيا.

• في الأعوام \”1975 – 1976\” ارتفعت نسبة الأراضي الزراعية المستصلحة إلى نحو 30.8 مليون دونم منها 15.1 مليون دونم إروائية, وما زرع منها فعليا نحو 16.1 مليون دونم ومقسمة على الشكل الآتي (حوض الفرات 6.335 مليون دونم, حوض دجلة وروافده 8.524 مليون دونم, حوض شط العرب 0.277 مليون دونم, العيون والآبار 0.845 مليون دونم)، وبالمقارنة مع الإحصاءات الرسمية لعام 2010 نجد أن المساحة المستصلحة هي 10 ملايين دونم فقط وإنتاجيتها متدنّية بسبب انخفاض حصة العراق من المياه بنحو 50 مليار لتر مكعب بسبب الممارسات التعسفية للجانب التركي.

• 26 % من مساحة العراق هي أرض قابلة للزراعة، وتقدر نسبة الأرض التي يمكن استغلالها للزراعة بحوالي 8 ملايين هكتار، وهذا يعني الحاجة إلى مشاريع الري التي تعتمد على حجم المياه التي تطلقها تركيا إلى نهري دجلة والفرات، ومع تزايد معدلات التصحر التي بلغت نحو 70 % فان مواصلة الجانب التركي بإقامة المشروع سيهدد الأمن الغذائي للعراق.

• انخفاض المياه سيتسبب بدمار منطقة الأهوار العراقية وهي واحدة من أهم المحميات الطبيعية والايكولوجية في العالم حيث إنها تضم 50 مستوطنة لأكثر من 250 نوعا من الطيور، ومع استمرار ندرة المياه فأن أكثر من 60 نوع من الطيور المحلية ستهدد بالانقراض، بالإضافة إلى أن هذه المنطقة تخسر حوالي 10 كم3 سنويا من مساحتها الحال الذي يوقف سير مشروع إحياء الأهوار ويهدد نمط حياة السكان القاطنين هناك. وتشكل الأهوار أهم مصادر الثروة السمكية بنسبة 60 %، لكن مع تزايد معدلات التصحر سيفقد الناس والأحياء أمنهم ما يعني أيضا موجات هجرة جديدة وانتشار البطالة ويعد هذا انتهاكا لإعلان الأمم المتحدة لحقوق السكان الأصليين لعام 2007.

• انخفاض المياه سيزيد من نسبة ملوحة الأرض لعدم اشتغال المبازل بصورة كفوءة، إضافة إلى نوعية المياه الواصلة إلى سطح التربة عن طريق الخاصية الشعرية.

التجاوزات الإيرانية على أحقية العراق لم تتوقف، وبالرغم من استئناف العلاقات الثنائية بعد عام 2003، فان خصوصية العلاقة مع إيران اليوم ليست خصوصية جغرافية فقط بقدر ما تحمل في طياتها طابعا سياسيا ورغبة في اتساع رقعة نفوذ إيران داخل العراق المفكك اليوم لتكون نقطة البداية نحو الاستئثار بمنطقة الخليج العربي ككل. فحرب المياه الإيرانية على العراق بدأت أولى ملامحها في خمسينيات القرن الماضي حين أصدرت الحكومة الإيرانية وقتها الأمر بشق قناة من نهر الوند (دون موافقة العراق) لإرواء الأراضي الواقعة بين مدينتي ((قصر شيرين)) و((خسروي)) مؤدياً لانخفاض كميات المياه للنهر لري أكثر من 50 ألف دونم, وتسارعت الخطوات الإيرانية بقطع أكثر من 35 نهرا بدعوى التمنية الاقتصادية متسببا بانخفاض المياه الواردة إلى الأراضي العراقية بنسبة 60 ـ 70 % ومؤدياً إلى جفاف مساحات زراعية كبيرة، وسنذكر قسماً منها وعلى النحو الآتي:

• قامت بإنشاء عدد من السدود على نهر الكارون منها ( كارون 1) شمال شرقي مدينة ((مسجد سليمان)) بطاقة تخزينية قدرها 3 مليارات م3، وإنتاج طاقة كهرومائية تقدر بـ4100 مليون كيلو وات ساعة في العام. أما سد (كارون 3) فيروي نحو 60 ألف هكتار ويشغل محطة كهرومائية بطاقة تصل 2000 ميغا وات، وعند إكمال كافة السدود المقررة على نهر كارون فستحول دون وصول مياهه إلى شط العرب.

• نهر الطيب: ينبع من الأراضي الإيرانية، ويدخل الأراضي العراقية في منطقة ((جمشة ليلة)) التي تبعد عن المخفر الحدودي نحو 2 كلم من ناحية الشمال، ثم يسير النهر بمحاذاة الحدود لمسافة 2 كلم تقريبا، ثم يتجه نحو الأراضي العراقية المسماة بأراضي الجزيرة الواقعة شرق مدينة ((العمارة))، ويصب في هور المشرح، وقد أقامت السلطات الإيرانية سداً على نهر الطيب عند منطقة ((دهلون)) ما أدى إلى أضرار بالغة بالأراضي الزراعية في العراق.

• نهر كرخة: ينبع من المرتفعات الإيرانية، ويصب في ((هور الحويزة)) في موسم الفيضان. وتختلف مصادر مياهه عن مياه ((هور الكسارة)) الواقع في ناحية ميسان في محافظة ميسان الذي يتفرع إلى فرعين أحدهما يصب في ((نهر السويب)) في قضاء القرنة والثاني في ((شط الكسارة))، وقد أقامت إيران مجموعة سدود على هذا النهر لأغراض توليد الطاقة الكهرومائية، كما تم شق 7 جداول في مقدمة السد لإرواء الأراضي الواقعة على جانبي نهر كرخة، 4 منها كبيرة هي: الدهوري، والهرموني، وغضبان، والشاولي.

• نهر زرين جوي الكبير: يروي الأراضي الواقعة على جانبي حدود البلدين لمسافة 2 كلم، أقامت إيران 3 سدود على النهر هي: بايوه الذي يروي الأراضي الزراعية في ناحية بايوه، وسد ((بالاجو)) الذي يروي أراضي باشماق، وسد ((وسان)) الذي يروي أراضي وسان الزراعية، وانقطعت المياه الواردة نحو الحدود العراقية بسبب التعسف في استخدام مياه النهر من طرف السلطات الإيرانية.

• نهر دويريج: ينبع من المرتفعات الإيرانية، ويدخل الحدود العراقية قرب ((مخفر الفكة)) العراقي. ثم يتجه غربا ويصب في ((هور المشرح))، وقد قامت السلطات الإيرانية بتاريخ 6 / 3 / 1966 بإنشاء سد ترابي على مقطع مجرى النهر في الموقع المسمى ((كَبة هشال)) الذي يقع على مسافة 5 كلم تقريبا من مخفر الفكة العراقي، فتسبب بقطع المياه التي تجري إلى الأراضي العراقية.

• نهر قره تو: يدخل الحدود العراقية عند قرية ((طنكي حمام)) بعد اجتيازه مناطق سهلية إيرانية وتصب به عدة روافد صغيرة بعد دخوله الأراضي العراقية، ويعد منتصف مجرى النهر الحدود الفاصلة بين الدولتين لمسافة 37 كلم ويصب في نهر ديالى عند جدول (بلاجو))، انقطع مجرى النهر تماما عن قرية ((قره تو)) جراء المشاريع الإيرانية، ما أدى إلى أضرار فادحة بالأراضي الزراعية على الجانب العراقي. 

• مياه نهر وادي كنكير: بلغ تصريف النهر عند الحدود العراقية قرب قضاء مندلي نحو 280 م3 / ثا، وقد استغلت إيران وعلى مراحل مياه النهر بشكل تعسفي، ما أدى لانخفاض جريانه تجاه الأراضي العراقية خاصة في موسم الصيف. بالإضافة إلى ارتفاع نسب التلوث المائي التي قدرت بنحو 2500 جزء في المليون، وعمدت الحكومة العراقية لدراسة مشروع جر المياه إلى قضاء مندلي من نهر ديالى بعدما طالت النهر الإجراءات الإيرانية غير المبرَّرة.

الأضرار التي لحقت بالعراق جراء السياسات المائية الإيرانية:

1– انخفاض التدفق المائي من روافد نهر دجلة التي تنبع من الأراضي الإيرانية بنسبة تتراوح بين (60 – 70) في المائة ما أثر سلباً في المشاريع التنموية في العراق.

2– تقلص المساحات الزراعية في حوض نهر دجلة نتيجة نقص المياه خاصة المساحات الزراعية القريبة من الحدود بين البلدين.

3– إن مياه روافد نهر دجلة الجارية من إيران لرفد نهر دجلة في العراق ليست سوى تصاريف مائية ذات تراكيز عالية من الأملاح تسيء لإجمالي مياه نهر دجلة على طول المجرى وتسبب تملح الترب الزراعية نتيجة ريها بمياه مالحة.

4– إن التراكيز العالية للأملاح في مياه نهر دجلة أثرت سلبا في أداء تقنيات الري الحديثة المعتمدة في بعض المناطق خاصة أجهزة الرش والتنقيط نتيجة انسدادها بالأملاح.

5– تحويل روافد نهر دجلة على طول الحدود البالغة 1200 كلم ما أدى لتصحر الأراضي الزراعية وخروجها من حيز الإنتاج الزراعي، وانعكس هذا سلبا على تدفق المياه نحو الأهوار في جنوبي العراق (تحديدا هور الحويزة) وأدى لاختلال المناخ المناطقي وهبوب عواصف رملية أضرت بالمساحات الزراعية.

6– نقص إيرادات المياه نحو شط العرب أدى لاختلال العلامات الحدودية للمياه الإقليمية العراقية (خط الثالوك – خط العمق) ما أثر سلباً في الموانئ العراقية ومراسي السفن وزاد من مساحة المياه الإقليمية الإيرانية على حساب العراق, كما تسبب بأضرار بيئية بالغة على الأحياء المائية في منطقة شط العرب وعلى عملية هجرة الأسماك بين المياه المالحة والعذبة، وكذلك على التغيرات الجيولوجية (التكتونية) لمنطقة شط العرب، وبالتالي على كامل النظام المائي في منطقة الخليج العربي.

7– نتيجة السياسيات المائية الإيرانية فإنها حرمت سكان جنوب العراق الذين يعتمدون أكثر من 80 % منهم على الزراعة وصيد السمك وبالأخص سكان الأهوار العراقية فقد أدى إنخفاض المياه بنسبة 50 % إلى تقليص مساحة الأراضي الزراعية المستصلحة بنحو 18 % ونفوق أعداد كبيرة من المواشي ما حدا بالكثيرين منهم للهجرة من قراهم إلى المدن سعيا لتحسين سبل معيشتهم.

8- تدفق مياه البزل الإيراني على شط العرب تسبب في ارتفاع الملوحة إلى 6015 جزءا من المليون (TDS) وهو رقم خطر وينذر بكارثة حقيقية في مياه الشرب، ويتسبب في نفوق الأسماك, وتقلص أعدادها من 68 نوعا إلى 26 بسبب قيام الجانب الإيراني بتصريف المخلفات الصناعية السامة إلى مياه شط العرب.

تواصل دول المنبع سياسة التعطيش منذ آماد ليست بالقصيرة، مستهدفة كل أنواع الحياة من طبيعة وبشر على أرض العراق, ورغم كل الاتفاقيات المبرمة والمواثيق الدولية التي تحث على احترام أحقية دول المصب, فقد أصحبت لا تتعدى أكثر من مجرد حبر على ورق مع استمرار غض الطرف عنها متجاهلين الدعوات الرسمية والدولية لوقف هذه الإبادة الممنهجة للشعب العراقي.

المناشدات والمساعي لم تتوقف, حراك شعبي ودولي على مستوى منظمات ونشطاء مدنيين لإلزام حكومتي طهران وأنقرة بالإيفاء بوعودها واحترام حقوق دول المصب، وإشعار الحكومة العراقية بضرورة متابعتها لملف المياه ووضع إستراتيجية مائية، من (تقنيات الإرواء الحديثة، منع الهدر، ترميم الشبكات), والأخذ بالتوصيات التي رفعتها منظمات مدنية في مؤتمرها الأخير الذي انعقد بعمان هذا الشهر ومن مقدمتها المطالبة بتأسيس مجلس أعلى للمياه طال انتظاره, لإجراء دراسات تقييم الأثر البيئي (داخل الأراضي التركية والعراقية) لتشخيص المتغيرات المناخية في المنطقة والناتجة عن إكمال بقية سدود التركية ومنها سد اليسو على نهر دجلة ما يدعم موقف الجانبين فلا ضرر ولا ضرار، وحتى ذلك الوقت فإن مخاطر تعرض العراق للجفاف والتحديات البيئية، وأخطرها التصحر, ستتضاعف مع تناقص تدفق نهري دجلة والفرات بنحو أكبر. وبحلول العام 2025 قد يتحول العراق من أرض السواد إلى أرض الموت.

ناقوس الخطر يدق أيها الساسة فنحوّا خلافاتكم جانبا ودعوا التسقيط فشعبكم يموت بصمت.

 

* كاتبة عراقية

إقرأ أيضا